بقلم : منى بوسمرة
اختصر الشيخ محمد بن راشد المشهد الدولي الحالي وموقع السعودية فيه بجملة واحدة، ذات دلالة عميقة وأبعاد استراتيجية، حين قال إن المملكة «طاقة محرِّكة لاقتصاد العالَم»، فهو العالِم والعارِف بمدى التأثير الدولي للسعودية بفعل قوة اقتصادها الذي يتجاوز 3 تريليونات ريال سنوياً، وأنه محصَّن من أية هزات سياسية أو اقتصادية ما يحمي مسيرتها، ليس فقط بقوة اقتصادها بل بحكمة وعدالة وحزم قيادة الملك سلمان ووليّ عهده، وهو ما أشار إليه سموه بالتنويه بالرؤية الواضحة للمستقبل، والرغبة في القيام بدور محوري في تعزيز مستويات نمو الاقتصاد العالمي.
كانت الصورة واضحة وجليّة بالأمس مع انطلاقة أعمال منتدى «مبادرة مستقبل الاستثمار» في الرياض، أمس، حيث ارتسمت صورة الشركاء الحقيقيين للرياض، في ظل أزمة تستبسل ذئاب الليل في تعقيدها والانتفاع منها والنيل من السعودية ومكانتها ودورها العالمي، في ظرف إقليمي حساس.
ففي وسط المشهد الذي تصدرته الإمارات في الرياض أمس، ممثلة بالشيخ محمد بن راشد على رأس وفد من 150 مشاركاً في جلسات المنتدى، ظهرت مضامين رسالة شديدة الوضوح بأن هؤلاء الشركاء دُعاة بناءٍ هدفهم المستقبل، لن تلتفت مسيرتهم نحو ضوضاء استغلال الفرص والنفاق والعبث السياسي.
وكانت الإشارة لذلك واضحة في تصريحات الشيخ محمد بن راشد حين أكد على جهود الإمارات لتوسيع دائرة الشراكة مع مجتمع الاستثمار العالمي لتطوير رؤى مشتركة لاقتصاد المستقبل، وما يمكن القيام به لدعم خطط التنمية المُستدامة مع تبني أفضل الممارسات العالمية وتوظيف التقنيات الحديثة التي تمثل عماد المرحلة المقبلة من مسيرة التنمية الاقتصادية العالمية.
نعلم جميعاً، حجم الضغوط على الرياض من دول المصالح والمنافقين والمنتفعين والذين يصطادون في المياه العكرة، على خلفية قضية الصحافي جمال خاشقجي، وحتى اللحظة لا تزال المملكة تتحلى بالصبر والهدوء وتعالج بدبلوماسية هادئة، بعيداً عن الضجيج الإعلامي، وكلنا رصد في أزمات سابقة أقل وأكبر تأثيراً من الأزمة الحالية قدرات الموقف السعودي سياسياً واقتصادياً على المستوى العالمي وتأثيره شرقاً وغرباً.
لكن ورغم إخراج أطراف دولية لقضية خاشقجي عن مسارها وتقصّد الإساءة للمملكة، فإنه لم يظهر من الرياض سوى الرغبة في القيام بدور محوري في تعزيز مستويات نمو الاقتصاد العالمي، وضمان استقرار الأسواق العالمية والحرص على تهيئة المناخ الملائم لإيجاد رؤية عالمية مشتركة لمستقبل الاستثمار ودور القطاع الخاص في دفع مسيرة التنمية في مختلف دول العالم، وهو ما ظهر جلياً في المنتدى.
وكان من اللافت أن يشهد المنتدى في دلالة واضحة على نجاحه توقيع السعودية اتفاقات بأكثر من 50 مليار دولار في قطاعات النفط والغاز والبنية التحتية وقطاعات أخرى، مع شركات عالمية من الشرق والغرب تتسابق دائماً على الفوز بالعقود السعودية؛ لمعرفتها بمدى جاذبية مناخ الاستثمار في المملكة.
نحن مع السعودية اليوم، أكثر من أي يوم مضى؛ لأن المستهدف من الضغوط ليس تحقيق العدالة في القضية التي تعهَّدت بها السعودية، بل مزيد من التهديد للأمن القومي العربي المهدد أصلاً، والانتفاع الرخيص من أزمة تتقاطع فيها المصالح وتتضارب، لكن الرياض التي تصدَّت سابقاً لأزمات وظروف أكبر وأشد تعقيداً، ومنها غزو الكويت، قادرة على صدِّ الغدر وإسكات اللئام وتحقيق العدالة والتنمية والنصر.
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع
نقلا عن البيان