بقلم : منى بوسمرة
خاضت المرأة في غالبية دول العالم كفاحاً مريراً وطويلاً ولا تزال، لانتزاع حقوقها وإنهاء التهميش والتمييز والعنف الذي تعرضت له عبر التاريخ، لكن الصورة تبدو مغايرة في الإمارات منذ اليوم الأول لقيام الاتحاد في العام 1971، حيث أعطاها الدستور حقوقها كاملة بتطبيق فعّال، لتقدم الإمارات نموذجاً نوعياً رشيداً في الحكم والإدارة، أقر حقوق المرأة عبر القوانين والتشريعات والمؤسسات منحها أفضلية الإفادة من كامل مواردها البشرية، التي هي أهم الموارد في المجتمعات.
قرار الشيخ خليفة بن زايد برفع نسبة تمثيل المرأة الإماراتية في المجلس الوطني الاتحادي إلى 50% من الدورة المقبلة وضع المرأة الإماراتية على أعتاب مرحلة جديدة من العطاء والمشاركة، سمتها الأساسية التمكين الكامل، والمساواة التامة في المسؤوليات الوطنية تعبيراً عن مقدار الثقة التي توليها القيادة الرشيدة للمرأة الإماراتية، والتي تمثل في أحد وجوهها تتويجاً لسياسات التمكين التي أطلقها الراحل المؤسس الشيخ زايد، ورعاها خليفة، وفتح لها الشيخ محمد بن راشد والشيخ محمد بن زايد كل أبواب المشاركة، وقدمت لها الشيخة فاطمة كل الدعم بمبادرات نوعية، ضمن التوجه المبكر لمنح المرأة دورها الحقيقي.
القرار الجديد يفرض واقعاً جديداً لا سابقة له عالمياً، تنبع من روح استراتيجيات المستقبل التي تتبناها الدولة، وتمثل دعوة واستدعاء للمرأة على ميادين العمل ودوائر القرار، ما يفتح الطريق أمام مجتمع المساواة والمستقبل، الذي ينمي قيم العمل والمشاركة، وينبذ قيم التواكل، التي تحاول أن تبرر نفسها بالعادات والتقاليد، وأحياناً بأفكار منسوبة زوراً إلى معتقداتنا السامية، فقد بينت شريعتنا السمحاء وتاريخنا الإسلامي أن الأدوار السامية التي تقوم بها المرأة، أماً وزوجة وأختاً وابنة، لا تغني عن المشاركة في بناء المجتمع، وإعماره، من خلال مختلف المواقع والميادين.
لقد جعل قرار الشيخ خليفة الإماراتية تسبق نساء العالم بحصة مقررة بالتمثيل البرلماني، لتحقق في زمن قياسي ما لم تحققه دول العالم بعد عقود طويلة على تبني سياسات تمكين المرأة. ويمكننا أن نلحظ في القرار تلك المنطلقات الوجيهة التي لطالما كانت وراء السياسة العامة للدولة؛ فرفع نسبة تمثيل المرأة يحمل في طياته إلى جانب تشجيع المرأة على العمل والعطاء، إنصافاً كريماً، فالمرأة التي لطالما كانت شريكاً وداعماً في مسيرة البناء والتنمية، وأنموذج عطاء وتميز، وأثبتت جدارتها في مختلف مواقع العمل، تستحق أن تكون كذلك شريكة في صنع القرار الوطني.
هي ليست حالة تمكين فقط، بل استنهاض لكل الطاقات لتحقيق الطموحات في زمن قياسي، وفي قول الشيخ محمد بن راشد ذات يوم أن الإمارات لو توقفت عند نشأتها في العام 1971 حتى يستتب أمن المنطقة لما أنجزت شيئاً ولما وصلت إلى نجاحات اليوم، كلام يلخص فكر الحكم والإدارة بأن لا وقت للانتظار لأن الوقت كالنهر يذهب ولا يعود، وأن قطار المسيرة يحتاج إلى طاقة وإبداع الرجل والمرأة معاً لينتقل الوطن إلى مستوى آخر من التقدم والترقي، وليحلق في المستقبل بجناحي الرجل والمرأة، مثلما ارتسمت في الجغرافيا والتاريخ طوال العقود الماضية دولة الأصالة والحداثة.
هنيئاً للمرأة في الإمارات، وهنيئاً للرجل، هذا الإنجاز، لكن القرار لا يحمل تكريماً فقط، بل يحمل أيضاً دعوة وطنية تستدعي الانسجام مع عنوان المرحلة «لا وقت للراحة».
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع
نقلا عن البيان