بقلم : منى بوسمرة
لم يصدّق البعض التحذيرات التي قيلت مراراً خلال السنوات الماضية عن المشروع الإيراني التخريبي ومخاطره سياسياً وعسكرياً وأمنياً، ومما يؤسَف له بشدة أن تجد بعض الدول نفسها تواجه ما تم تحذيرها منه، ولو أخذت هذه التحذيرات على محمل الجد منذ البداية، لما جابهت هذه الدول الأزمة تلو الأخرى.
ما كشفته باريس عن الخروق الأمنية والاستخباراتية الإيرانية لم يكن مفاجئاً إلا للفرنسيين الذين انحازت حكومتهم إلى جانب إيران ودافعت عن الاتفاق النووي، بل تحدّت باريس صوت العقل والمنطق من أجل مصالحها المالية مع طهران، والمفارقة أن هذا النظام لم يراعِ في يوم مصالح باريس، حين يؤسس شبكات أمنية واستخباراتية في فرنسا، ويحاول تنفيذ عمليات تجسس وتفجير بحق جماعات إيرانية معارضة، متجاوزاً القانون الفرنسي وما تدّعيه طهران من حرصها على العلاقات بين البلدين، فتضطر فرنسا لاحقاً إلى اتخاذ إجراءات ضده، وتوقف دبلوماسياً، وتجمّد أموال إيرانيين.
هذه الحادثة ليست الأولى في أوروبا، إذ قبل شهور تم كشف خرق أمني في ألمانيا، ولعلها مفارقة أن يسعى نظام طهران إلى التجسس وممارسة نشاطات أمنية، في دول تحاول أن تتبنى الرواية الإيرانية على المستوى السياسي وعلى مستوى الاتفاق النووي، مثلما شهدنا حوادث في بلجيكا ودول عربية وإسلامية، وما خفي أعظم بشأن النشاطات الأمنية الإيرانية من التجسس إلى تأسيس شبكات التجسس إلى تمويل الجماعات، مروراً بكل أشكال التدخل بما يمسّ أمن الدول واستقرارها، ويحوّلها من دول إلى مجرد ساحات بالمعنى الحرفي لنشاطات المؤسسات الأمنية في العالم.
حين حذّرت الدول العربية من مشروع طهران، لم تكن تتجنَّ على أحد، فهذه المنطقة تعرف جيداً ماذا يعني هذا المشروع، وما الذي يريده هؤلاء في العالم العربي أولاً، وفي بقية دول العالم، وهذا ما شهده الجميع في سوريا والعراق واليمن ودول أخرى، ومن المؤكد أن هناك ظلالاً سوداء مخفية، تتعلق بما يفعله هذا النظام في أكثر من مكان، وهي ظلال لم تتبدد ظلمتها حتى الآن، وقد لا تصحو دول كثيرة من غفلتها إلا بعد أن تصاب في عمق أمنها واستقرارها وسيادتها.
لقد آن الأوان أن تقف دول العالم، ليس عند التحذيرات المبكرة التي تم إطلاقها وحسب، بل عند مصالحها وصون أمنها واستقرارها من العبث الإيراني الذي تسبب في نشر الخراب في أكثر من مكان، وما زلنا نؤكد هنا على عواصم عديدة أن عليها أن تفتح عيونها جيداً على ما تفعله البعثات الدبلوماسية الإيرانية وواجهاتها التجارية، والكيفية التي تدير بها طهران شبكاتها الأمنية، ونشاطاتها الاستخبارية، بما يصب في مصلحة الإرهاب الذي بات العنوان الأساس للجمهورية الإيرانية.
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع
نقلا عن البيان