بقلم : منى بوسمرة
شهدنا وسمعنا في مراحل مختلفة من تاريخنا المعاصر، كعاملين في حقل الصحافة والإعلام، أزمات سياسية بين بعض من الدول العربية على مختلف مستويات التوتر، وكانت تؤدي كما هو متوقع إلى انعكاس ذلك في الرسائل الإعلامية الحادة بين الأطراف وتأثرها بما يجري، لكن الثابت في كل ذلك أنها ظلت ضمن سقف محدد يمكن تفهّم أسبابه.
في أزمة قطر القصة مختلفة، لأن الدوحة لم ولن تتورع عن ارتكاب كل المحرمات والكبائر، في طريقة لم يشهدها سابقاً الإعلام العربي خلال الأزمات السياسية التي عاشتها دول كثيرة، في سياق علاقاتها الثنائية، إذ بقي هناك باب مفتوح من أجل استرداد العلاقات وعدم حرق كل السفن.
الدوحة، مع الأسف الشديد، حرقت كل سفنها، وكشفت عن وجه قبيح للغاية، لا يتورع عن الوصول إلى ما يتجاوز النقد السياسي كما عهدناه بين الدول، أو حتى الدفاع عن موقفها، بل انتهكت كل المحرمات في سياق ظنها الموهوم أنها بهذه الطريقة تدافع عن نفسها بمهنية.
خلال أزمتها، جنّدت قطر مستويات عدة ضمن سياق محدد الأهداف، أولها قناة الجزيرة بشكل حصري، وثانيها كل وسائل الإعلام الممولة من قبلها في تركيا وبريطانيا، وغيرهما من دول، وثالثها كل وسائل الإعلام التابعة لجماعة الإخوان المسلمين، ورابعها جيشها الإلكتروني في وسائل التواصل الاجتماعي، الذي تدفع له نفقات مالية هائلة في الدوحة وعبر مكاتب في دول أخرى من أجل نشر الأكاذيب والإشاعات، وإدارة صفحات بهويات قطرية أو أخرى مزيفة تدعي أحياناً أنها ضمن الدول الأربع التي أعلنت مقاطعتها، أو حتى من جنسيات أخرى، وخامسها شركات العلاقات العامة والاتصال في أوروبا وأميركا، التي تدفع لها الدوحة مبالغ مالية كبيرة جداً من أجل التحريض عبر اللوبيات الممكن الوصول إليها، وصناعة ارتداد محدد في الإعلام الغربي لمصلحة نظامها وضد الدول الأربع.
هذه المستويات الخمسة تلعب معاً في ساحة واحدة، وبحيث يتم توزيع وتقاسم الأدوار من أجل صناعة الأكاذيب، والإساءة إلى الإمارات والسعودية ودول أخرى، ومن أجل بث الفتن والسموم في الإعلام عربياً وعالمياً، وبحيث يؤدي المشهد إلى تأجيج الحرب الإعلامية في المنطقة بدلاً من استيعاب الأزمة، في مؤشر إلى أن من يحكم الدوحة يواصل طريقته في إدارة أزمته، عبر حملات تشويه السمعة بالافتراء على أي طرف يتم استهدافه.
ربما هذه الطريقة قد يكون لها تأثير زمني مؤقت، وربما يتم عبرها تضليل الكثيرين، لكن في نهاية المطاف لن يثبت إلا الواقع، الذي يقول إن أزمة الدوحة تتعمق، وإن إدارة الأزمة عبر الإعلام الكاذب تعبّر حقيقةً عن إفلاس في الخيارات الأخرى، والدوحة ذاتها تعرف أن الدول التي تحاول مس سمعتها ليست بعاجزة أساساً عن اللجوء إلى الطرق ذاته، لكنها تترفع عن هذه الدناءات التي نراها ونسمعها كل يوم، وتنشغل بما هو أهم وأكثر جدوى لشعوبنا وللعالم العربي.
الإعلام العربي في فترة الخمسينيات والستينيات والتسعينيات، وهذه ثلاث مراحل حساسة شهدت خلافات عربية حادة، دخل طرفاً في هذه الخلافات، لكنه لم يتورط إلى هذا المستوى من الانحدار الذي نراه من إعلام الحمدين، إذ بقيت هناك قواعد أخلاقية تحكم الخصومات، لكننا اليوم نشهد نوعاً مختلفاً ينطبق عليه حديث النبي صلى الله عليه وسلم: «أربع من كن فيه كان منافقاً، ومن كانت خصلة منهن فيه كانت فيه خصلة من النفاق حتى يدَعها، من إذا حدّث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا خاصم فجر، وإذا عاهد غدر».
الدوحة نموذج حي ليس للفجور في الخصومة وحسب، بل في الخصال الأربع، لا أستثني منها شيئاً، فنفاقها واضح، وغدرها ظاهر، وكذبها حاضر، والشواهد أكثر من أن تعد وتحصى
نقلا عن البيان