بقلم : منى بوسمرة
حسناً لقد تحدت قطر وكابرت، وتصرفت باعتبار أن لا أحد بصدد وضع حد لسياستها، وهي هنا كانت تحت وطأة اللحظة فقط، إذ إنها لم تقرأ الأزمة التي تورطت بها إلا على المدى القصير، وتعمدت الضبابية لرؤية ما هو مقبل وآت.
لا يمكن لبلد تقاطعه أربع دول، إضافة إلى العلاقات السيئة مع أغلب الدول العربية التي لم توفرها الدوحة في كل الظروف، أن ينجو من أفعاله لاعتبارات كثيرة، وما يمكن تأكيده أن قطر معزولة عربياً ما بين الدول المقاطعة، وتلك الدول التي تركتها وحيدة وفي ذاكرتها السياسية هذا الإرث القطري من الطعن والغدر وعدم توفير أي فرصة لهز استقرار أي بلد عربي.
الدوحة مقبلة على أزمات غير التي نراها اليوم، ولا يمكن لبلد يدير وجوده بهذه الطريقة إلا أن يحصد أزمات كبيرة على الطريق، وكنا نتمنى من حكم الدوحة أن يسترد العقل الغائب والمفقود لكنه أبى واستكبر.
أبرز الأزمات المتوقعة تتعلق بالجانب الاقتصادي، وسنرى في قادم الأيام أن التراجعات المالية كبيرة في ظل العجز والمديونية، وربما اضطرت الدوحة إلى أن تبدد مخزونها المالي في شراء الحماية العسكرية، وعقد صفقات الترضية مع عواصم إقليمية ودولية، إضافة إلى أن الأزمة ستؤدي إلى فرار كل الاستثمارات، فلا أحد لديه الاستعداد لأن يبقى ويغامر بماله لخاطر النظام القطري، وإذا عددنا التراجعات الاقتصادية المحتملة فلا عدّ ولا حصر لها وكل المؤسسات الدولية تؤكد هذه القراءة.
الجانب السياسي سيواجه ذات الأزمة، فقطر خسرت رصيدها الخليجي، وليس أبلغ من ذلك ما أكده الدكتور أنور قرقاش من «أنه آن الأوان لبناء علاقات خليجية جديدة تستبدل القديمة» وهذا الكلام مهم جداً، ولعلنا نسأل عن جدوى بقاء قطر في منظومة مجلس التعاون الخليجي، مثلما نسأل عن جدوى وجودها في جامعة الدول العربية، وما يمكن قوله إن الدوحة خسرت الغطاء العربي بعد أن ارتمت في أحضان الأتراك والإيرانيين، وبعد أن أصرت على أن تبقى عرابة للإرهاب، وكل هذا يقول إن قطر ستواجه عزلة أكبر على كل المستويات.
أما الجانب الأمني فلا بد أن يقال إن أسرة آل ثاني مهددة ومعرضة لانشقاقات وانقسامات، كما أن المؤسسة العسكرية قد تدخل طرفاً في أزمات المستقبل، وأن الدوحة ستدفع الثمن مرتين، مرة لأنها صنعت ودعمت تنظيمات إرهابية، ومرة حين تتخلى عن بعض هؤلاء بعد أن استخدمتهم لغاياتها، واستنفدت أغراضها القذرة منهم، والمتوقع هنا أن تنتقم هذه الجماعات على مستوى التنظيمات والأفراد من قطر، وهذا أمر مؤسف لأننا لا نريد مس الأمن في أي بلد عربي، لكنها النار التي أشعلوها وسيصل الحريق إلى أثوابهم.
إن إعلان الدول الداعية لمكافحة الإرهاب عن قائمة جديدة لكيانات إرهابية وأفراد تدعمها قطر، دليل على أن هذه الدول لا تجامل على حساب أمنها واستقرارها، والأرجح أن كل هذه القوائم باتت معتمدة عربياً ودولياً في ظل تبادل المعلومات بين الدول، وهذا يعني أن حربنا على الإرهاب الذي تشرف عليه قطر ستنجح وستؤدي إلى قطع هذه اليد المجرمة.