بقلم _منى بوسمرة
تُثبت الأيام أن سياسات قطر تتسم بالانفصام على مستويات مختلفة، وليس أدل على ذلك من أنها بعد قرار مقاطعتها سعت بكل قوتها لتدويل أزمتها، وتقديم شكاوى ضد الدول الأربع التي قاطعتها على صعيد المؤسسات الدولية، ظناً منها أن هذه المؤسسات ستقف إلى جانبها، لكنها في الوقت ذاته تتجنب المؤسسات ذاتها، إذا كان الحكم ضدها أو ليس لمصلحتها، في سلوك انتقائي يعبّر عن هويتها.
الدوحة، بعد قرار مقاطعتها، لم تحاول أن تحل الخلافات، ولا أن تقف عند مطالب الدول التي قاطعت، بل تصرفت بفوقية مكلفة، وليس أدل على ذلك من كونها تدفع الثمن يومياً على حساب الشعب القطري، دون أن تأبه الدوحة الرسمية بموقف القطريين ولا معاناتهم، من جراء سياسات مركز القرار في الدوحة.
هذه السياسات، التي تتسم بالازدواجية أيضاً، تجلّت بردّ الفعل القطري إثر الشكوى التي قدمتها الإمارات لمنظمة التجارة العالمية، عبر جهاز تسوية النزاعات في المنظمة، وطلبت عبرها الدولة تشكيل لجنة تحكيم بشأن الإجراءات التي اتخذتها الدوحة سابقاً ضد المنتجات والسلع الإماراتية، والتي تحظر بيع وشراء البضائع المصدرة، إذ أعلنت الدوحة أنها سحبت التعاميم السابقة التي أصدرتها في العام الماضي بسحب المنتجات الإماراتية، أو المصدرة من الإمارات، بما يعد اعترافاً قطرياً بكون سياساتها مخالفة للمعايير والالتزامات الدولية.
هذا الإلغاء القطري الجزئي لا يمكن أن يُقنع المجتمع الدولي ولا الإمارات بسحب الطلب أو الشكوى، لأن مصداقية الدوحة باتت منخفضة، وهي التي تطرق كل بوابات المؤسسات الدولية للشكوى، لكنها حين تتضرر تسعى للتلاعب والإعلان عن تراجع جزئي عن قرارها بمنع وصول المنتجات الإماراتية، وهذا يفسر الإصرار الإماراتي على الاستمرار في السير بتشكيل هيئة التحكيم لكشف كل الإجراءات القطرية أمام المنظمة الدولية في انتهاكاتها الصارخة لقواعد منظمة التجارة العالمية.
كان ممكناً أمام الدوحة الرسمية أن تتجنب كل هذه المواجهات عبر التجاوب مع طلبات الدول الأربع التي قاطعتها، لكنها فضلت بدلاً من ذلك مواصلة سياساتها بدعم الإرهاب سياسياً وإعلامياً وعسكرياً ومالياً، وتسخير كل موارد القطريين في حملات وصناعة لوبيات دولية، من أجل الإساءة إلى الدول الأربع، فوق اتهام الدول الأربع بالتسبب في أضرار للقطريين وغيرهم في قطر، بدلاً من الإقرار بأن سياسات الدوحة هي التي أدت إلى هذا الواقع الذي يواجهه القطريون اليوم.
لقد آن الأوان أن تفهم عواصم العالم والمؤسسات الدولية أن الدوحة تخالف كل الاتفاقات الدولية، وتضرب بعرض الحائط كل التزاماتها، بل تسعى في الوقت ذاته إلى التصرف بروح الضحية، وهي روح انكشفت سريعاً في نموذج منظمة التجارة الدولية الذي نتحدث عنها، حين خضعت الدوحة وأعلنت أنها سحبت إجراءاتها، بما يعني ضمنياً مخاوف قطر من العقوبات الدولية من جراء مخالفتها كل الاتفاقات والالتزامات التي تعهدت قطر أساساً باحترامها.