بقلم : محمد الحمادي
لأننا نعرف ماذا فعلت قطر فإننا لا نستغرب مقاطعة السعودية والإمارات والبحرين ومصر وليبيا واليمن وجزر المالديف وموريشيوس لها بالأمس، ولأن هذه الدول، وخصوصاً الخليجية منها، ومصر وليبيا أصابها الأذى والضرر المنظم والممنهج والمخطط له بشكل دقيق، فإننا لا نستغرب هذه الخطوة التي لا شك أننا نراها قاسية، بل قاسية جداً، ولكن لأننا نعرف ماذا فعلت الحكومة القطرية في السعودية طوال عقدين، وماذا تفعل في البحرين منذ سنوات طويلة، وماذا فعلت ضد الإمارات، وفي مصر، وفي ليبيا، وفي اليمن، فإننا ندرك أن هذه القرار القاسي لا يساوي شيئاً أمام الأفعال القاسية التي قامت بها طوال سنوات طويلة في حق الدول الخليجية والعربية، والتي يمكن أن تحاكم بها قطر دولياً.
بلا شك إن الكثيرين ينظرون اليوم إلى النتيجة وهي المقاطعة، وينسون السبب وهو العبث المتعمد من حكومة قطر ضد هذه الدول، والذي أدى إلى هذه النتيجة، والأسباب كثيرة جداً، منها ما هو معروف ومعلن، ومنها ما هو غير معروف وغير معلن، وقد يكون من الصعب الإعلان عنه.
لقد جاء قرار الدول العربية الست بقطع العلاقات مع قطر بعد أن بلغ السيل الزبى، وضاقت الدول ذرعاً بسلوكيات حكومة قطر ولعبها بالنار المجوسية وبالدمى الإرهابية، بعد أن أغلقت الدوحة كل أبواب العودة عن مخططها، لقد كان تحمّل السعودية والإمارات ومصر أفعال قطر وحماقاتها أسطورياً، وجاء حرصاً على مصلحة الشعب القطري الشقيق الذي لا نريد له إلا أن يكون جزءاً أصيلاً من الجسد الخليجي والعربي، وحرصاً على مصلحة مجلس التعاون الخليجي الكيان العربي القوي، لقد حاولنا إثناء حكومة الدوحة عن مضيها في طريق الظلام والشيطان، استنفدنا كل المحاولات وقلنا كثيراً عفا الله عما سلف، وتعالوا نبدأ من جديد أعدنا سفراء سحبناهم من الدوحة، وعقدنا الاتفاقيات تلو الأخرى في الرياض وغيرها من دول الخليج، وعفونا عن جرائم كثيرة.
على الرغم من كل ذلك يبدو أن قطر فهمت رسالة الصبر خطأ، فهمت العفو والغفران عجزاً، وعدم قدرة على التصرف وعدم قدرة على اتخاذ قرار جريء، فهمت أن الغضب الخليجي والعربي من مسلكها عاصفة في فنجان وسحابة صيف، سرعان ما تنقشع، ولم تتصور الدوحة أن كل هذا الصبر وهذا العفو وهذا الغفران كان فقط من أجل شعب قطر الشقيق، الذي لم تشأ قيادة السعودية والإمارات والبحرين ومصر أن تأخذه بذنب وجريرة حكومته، أدركنا بعد طول صبر أن حكومة قطر لا يعنيها شعبها ولا انتماؤه الخليجي والعربي، لا يعنيها سوى إرضاء غرورها وأحلام اليقظة التي تعيش فيها، وإرضاء المقاول الإيراني الذي سلمت له أمرها وتدفع هي الأجر له، وتوفير الملاذات للإرهاب.
لقد أصبح من الواضح أنه لم يكن شعب قطر الشقيق يوماً في رأس حكومته التي تتصرف بلا عقل، واليوم وبعد هذه المقاطعة الكبيرة لقطر، وإغلاق المجالات الجوية والبحرية والحدود البرية، وهو ما يضر بمصالح الشعب الشقيق لا نرى أي تحرك إيجابي للحكومة القطرية، بل على العكس فإن البيان الذي صدر عن وزارة الخارجية القطرية صباح أمس، والآخر الذي صدر عن مجلس الوزراء مساء يؤكدان لا مبالاة قطر بمصالح الشعب الشقيق، ففيهما من المكابرة والاستعلاء ما يؤكد أن الرسالة لم تصل إلى القيادة القطرية، وهذا غريب جداً.
ولأننا نعرف ماذا فعلت قطر، وبماذا هي متهمة، ولأننا نعرف لماذا تمت مقاطعتها، فإننا نعرف أن عناد قطر لن يفيدها، ونعرف أن مكابرة قطر ستوصلها إلى طريق الندم المسدود، وأن أي تصعيد قطري سيواجهه تصعيد ممن قاطعوها.