بقلم : محمد الحمادي
عدم الرد في أحيان كثيرة يكون أفضل من الكلام، خصوصاً عندما يصر الطرف الآخر على الإنكار والمكابرة، والهدوء مهم جداً في التعامل مع الأزمات الكبيرة، وخاصة في هذه الأزمة التي نمر بها في الخليج هذه الأيام، والتي كشفت وأكدت إلى أي مدى تمتلك الدول المقاطعة الحلم والصبر والحكمة، وإلى أي مدى يمكن أن تكون هادئة ومتمسكة بأصول الخلاف -وضمن القوانين الدولية والأعراف العربية- وخصوصاً في ظل الضجيج الذي تسببه قطر التي تحترف إثارة الضجة، وتأجيج الرأي العام، وتحويل الأزمات مهما كانت صغيرة إلى نكبات، وفي النهاية لا تستطيع هي أن تكون هادئة، وبالتالي تفقد كل تركيزها لإيجاد أي حل، أو الوصول إلى أي مخرج للمشكلة التي تقع فيها، وهذا ما حدث خلال الأسابيع القليلة الماضية، وانتهى بعدم نجاح قطر في إقناع الدول الأربع المقاطعة بإنهاء المقاطعة عنها وفتح الحدود والأجواء والبحار وعودة الأمور كما كانت، لقد فشلت قطر بشكل لافت في أن تجد لها وسيلة مناسبة للتعامل مع أزمتها مع أشقائها، وفشلت في أن تستفيد من وساطة أمير دولة الكويت، كما فشلت في أن تعيد ثقة جيرانها العرب في سياساتها وسلوكها الخارجي، لذا كان قرار الانفصال النتيجة الطبيعية لما فيه قطر.
انتهت مهلة العشرة أيّام والـ48 ساعة، وعقد وزراء خارجية الدول المقاطعة الأربع اجتماعهم في القاهرة أمس وأعلنوا موقفهم وقرارهم.. وبعد كل هذا لا أحد في العالم يلوم الدول التي اتخذت قرار المقاطعة، فهي تحارب الإرهاب وتحاول تجفيف منابعه ومصادره، التي تعتبر قطر إحداها بالدليل القاطع، كما أنها الدولة التي تصر على التعامل مع الإرهابيين في الخارج وإيوائهم في الداخل.. كما أن لا أحد يلوم هذه الدول المقاطعة، فقلقها على أمنها واستقرارها أمر لا يمكن أن تقفز عليه، كما أن اعتقادها بأن قطر لا يمكن أن تستجيب لأي طلب عادي يتم بين أي جارين يجعل من استمرار العلاقات الطبيعية أمراً غير ممكن، وخصوصاً أن الشماعة التي تعلق عليها قطر الوضع الحالي بأسره هي ادعاؤها أن المطلوب منها يعني التأثير على سيادتها أو فرض الوصاية عليها، في حين إن المطلوب منها منطقي وطبيعي بين أي مجموعة من الدول تجمعها منظمة إقليمية واحدة فيفترض أن أمن واستقرار المجموعة يهم الجميع والتعاون بين المجموعة لا يعني تدخلاً في شؤون بعضها البعض كما أن تنازل أي دولة من المجموعة عن أمر يقلق بقية المجموعة لا يعتبر فرض وصاية عليها، فكل ذلك يأتي في إطار العمل المشترك والتعاون المتبادل وحماية مصالح المجموعة.. وهذا ما يفهمه الجميع إلا قطر التي تبدو في مجلس التعاون الخليجي وفي جامعة الدول العربية كأنها طابور خامس وليست شريكاً مسؤولاً!
اعتباراً من اليوم تدخل منطقتنا حقبة تاريخية جديدة لابد أن يتحمل مسؤوليتها الجميع، حكومات وشعوباً، فالتحديات أصبحت واضحة والتعامل أصبح على المكشوف، وكل طرف يجب أن يحدد مواقفه ويعمل من أجل خير وسلام واستقرار المنظومة الخليجية والعربية وأن يحمي منجزات المنطقة، فخروج قطر عن الإجماع الخليجي والعربي غير مقبول، ولن يفيد غير أعداء الأمة، وعودة قطر إلى حضنها العربي والخليجي يجب ألّا يتأخر، ويجب أن تهدأ القيادة القطرية، وتهدأ كثيراً، ومن ثم تبدأ في الاستماع إلى عقلائها من أبناء قطر المخلصين، الذين يطالبون بأن تتوقف عن الإساءة إلى جيرانها الخليجيين والعرب، وتتوقف عن إيواء الإرهابيين وعن دعم الجماعات الإرهابية بالمال والسلاح. وكما يقولون «ليست المشكلة أن تخطئ، حتى لو كان الخطأ جسيماً، وليست الميزة أن تعترف بالخطأ وتتقبل النصح، إنما العمل الجبار الذي ينتظرك حقاً هو ألّا تعود للخطأ أبداً».