بقلم : محمد الحمادي
هذه زيارتي الأولى لكيرالا، هذه المدينة التي أسمع عنها منذ الطفولة، وأسمع عن المدينة الأخرى كاليكوت، وتعاملت مع كثير من الهنود الذين يعملون في الإمارات، وعلمت أنهم من هذه المدينة، وأول ما يشد انتباه أي زائر لهذه المدينة هو طيبة وسماحة أهلها وكرمهم وهذا شيء لمسته منذ اللحظة الأولى حتى مغادرتي تلك المدينة، أما الأمر الآخر الذي يشد انتباه أي خليجي، وأي إماراتي بالتحديد هو مدى تقارب أبناء هذه المدينة في ملابس وحديث الشباب والفتيات مع طريقة أهل الإمارات والخليج.
حضرت في كيرالا «مؤتمر الشيخ زايد العالمي للسلام» والذي تنظمه جامعة مركز الثقافة الإسلامية، هذا المركز الذي رأيته يمثل الإسلام في اعتداله وفي تسامحه وهو ينشر قيم الإسلام ويقدم التعليم الديني البعيد عن التشدد والأيديولوجيا والأفكار الدخيلة على الإسلام، وهذا بفضل رئيس المركز ومؤسسه فضيلة الشيخ أبوبكر أحمد الذي بدأ هذا المشروع قبل أربعين عاماً برعايته للأيتام في بلده والتكفل بإعاشتهم وتعليمهم إلى أن وصل عدد من تخرجوا على يديه في مختلف العلوم الدينية والحياتية إلى أكثر من مائة ألف طالب وطالبة.
إن الاحتفاء بالشيخ زايد في الهند كرجل للسلام له قيمته المعتبرة، فالهند أرض المهاتما غاندي، معلم الحب والسلام، وهو رائد حركة المقاومة بلا عنف، وهو الذي قال لا للعنف فحرر وطنه وحرر شعوب العالم، والهند أرض الفيلسوف الهندي الكبير طاغور الذي قال «العلم هو الباعث الأول على الاستقرار والهدوء والسلام وأن الجهل يورث في الإنسان الحيرة ويجعله يرتكب الخطأ»... ففضلاً عن وفاء الهند للشيخ زايد باعتباره رمزاً للسلام، فإن قيمة هذا الاختيار تكون أكبر لأن الحديث عنه، رحمه الله، في أرض السلام وعند شعوب تعرف تماماً ماذا يعني السلام.
في شوارع كيرالا البسيطة رأيت السلام والمحبة، فعرفت أنها زرعت منذ زمن بعيد، وعرفت أنهم يحافظون عليه بمحاربة الجهل وتعليم الأجيال ونشر العلم، زرت ذلك المسجد الذي بناه رجل هندوسي قبل 650 عاماً كهدية لجاره المسلم، وما زال المسجد على حاله وبجماله يجعل أي زائر يحترم شعب هذا البلد..
وفِي طريق العودة إلى المطار مرت علينا سيارات تحمل رايات وأعلاماً وشعارات ورجالاً يرتدون ملابس دينية، فقال لي مرافقي إنهم هندوس يذهبون إلى معبدهم الشهير للتعبد في هذا الموسم، وهذه قصة أخرى من قصص كيرالا التي تروى، فمنذ مئات السنين كان كاهن المعبد عندما يصعد إلى معبده يستقبله رجل مسلم في المسجد الذي يقع تحت المعبد فيسقيه ماء جوز الهند ثم يكمل الكاهن طريقه، وظلت هذه العادة على ماهي عليه، تتوارثها الأجيال إلى اليوم، فمئات الهندوس يشربون من يد إخوانهم المسلمين ماء جوز الهند وهم في طريقهم إلى معبدهم.
كيرالا أرض التسامح والمحبة وشعبها أهل وفاء وكرم