بقلم : محمد الحمادي
زيارات الرئيس التركي للمنطقة التي بدأت يوم أمس للمملكة العربية والسعودية، ثم الكويت، وستنتهي اليوم بزيارة قطر، لم تنل اهتمام الكثيرين، وخصوصاً الدول المقاطعة.. فالإعلان التركي أنها زيارة من أجل الوساطة، أما من الناحية الفعلية فيبدو أن هذا الاستعراض السياسي مفيد للداخل التركي، كما أنه سيرضي غرور عدد من العرب المعجبين بأردوغان، ويعتقدون أنه القادر على حل أزمات المنطقة وفعل ما لا يستطيع أن يفعله غيره!
والحقيقة أن الرئيس أردوغان كان منذ اليوم الأول للأزمة منحازاً لقطر، كما أنه هاجم الدول الأربع المقاطعة أكثر من مرة، بل وانتقد الخطوات التي اتخذتها، وهاجم قراراتها في مقابل تأييد مواقف قطر ودعمها.
فضلاً عن أن موضوع الوساطة تم الانتهاء منه منذ البداية، وتحديده بأنها ستكون وساطة خليجية وفِي إطار مجلس التعاون الخليجي، الأمر الذي وضع ملف الوساطة في الكويت وبين يدي أميرها الشيخ صباح الأحمد، لذا كانت نتائج كل الوساطات الدولية والغربية مصيرها الفشل.
هذا ما جعل البعض يقيم جولة أردوغان لا تعدو كونها جولة بروتوكولية استعراضية وذات طابع علاقات عامة لا أكثر.. ويتوقع البعض الآخر أن نتائج هذه الجولة لن تظهر إلا في قطر اليوم من خلال تقديم المزيد من الدعم المعنوي وتقديم مزيد من الوعود بالتأييد للخطوات القطرية، وفي الوقت نفسه قد تشهد الزيارة توقيع المزيد من الاتفاقيات الاقتصادية والتجارية والأمنية الجديدة التي ستصب في صالح أنقرة.
أما إذا أراد الرئيس أردوغان مفاجأة الجميع فإنه سيحمل معه مطالب الدول الأربع المقاطعة، ولن يكون صعباً الحصول عليها فقد نشرتها قناة CNN مؤخراً بالتفصيل وبتوقيع الشيخ تميم بن حمد قبل ثلاث سنوات وكذلك سيكون جيداً لو اطلع فخامة الرئيس التركي على المبادئ الستة لإنهاء المقاطعة التي تم الإعلان عنها بعد اجتماع وزراء خارجية الدول الأربع المقاطعة في القاهرة بداية الشهر الحالي، فعلى أساس هذه الاتفاقيات والمبادئ يمكن الحديث عن حل للأزمة، ومن دونها تكون حركة أي وسيط بلا نتيجة وحركة غير جادة.
في هذا الصيف اللاهب في جزيرة العرب لن يفاجأ الرئيس التركي بحرارة اللقاء في السعودية والكويت ولكنه سيخرج بانطباع جديد، وهو أن العرب أصبحوا يتخذون مواقف واضحة وصريحة وقوية وثابتة، ويعرفون صديقهم من عدوّهم، ويعرفون من معهم ومن ضدهم، وأنهم كذلك يعرفون أين تكمن مصالحهم فيحافظون عليها، كما وسيعرف الرئيس التركي من هو الكبير في جزيرة العرب، ومن الذي له الكلمة العليا فيما يتعلق بمصلحة دول المنطقة وشعوبها، وبالتالي ستدرك تركيا أين تكمن صعوبة التوسط في هذه الأزمة، وسيفهم رئيسها لماذا فشلت مساعي الدول الغربية في التوسط في هذه الأزمة، أو التوصل إلى حل، فالدول المقاطعة لم تعد تبحث عمن يريد «إدارة» هذه الأزمة فهي قادرة على ذلك وبامتياز، فهي تريد «إنهاء» هذه الأزمة وحلها، والحل ليس بيد أي من أولئك الوسطاء لأنهم يأتون وقد وضعوا مصالحهم قبل مصلحة هذه الدول، وبالتالي يعودون من حيث أتوا بخفي حنين، وهذه هي الحال مع الجار التركي أيضاً، وفِي الوقت نفسه لأنهم يقفزون على أساس الأزمة، وهو رفض الدول المقاطعة استمرار قطر في دعم الإرهاب وتمويل الجماعات الإرهابية، وهذا ما لا ينال الاهتمام المطلوب من بعض الوسطاء، فتفرغ الوساطة من مضمونها وتفقد الهدف منها!
أخيراً.. الوساطة التركية تختلف في شيء جوهري وهو أن تركيا هي الدولة الوحيدة في العالم التي اتخذت إجراءات عسكرية سريعة جداً بعد إعلان المقاطعة، ما يفسره البعض بأنها إجراءات موجهة ضد الدول المقاطعة.