بقلم -مصطفى منيغ
فَقَدَ الطًّعْم الذَّوق ، بمن كان مِن تَحْتِ فأصبح مِنْ فَوْق ، بغير مُستوى ولا كفاءة تمنحه مثل الحق ، داخل بيت مهما كان فراشه وثيراً استوطنه البَقّ ، داخِلُهُ مُغامر أحمَق ، و الخارج منه بأعجوبة كأنه من كابوس مرعب أفاق ، مشلول اللّسان مسلوب الأعماق ، جسد من عظم ودم وُضع في قالب حتى بنفسه من نفسه ضاق ، مُسْتَغْنَى عنه بالمُطلق ، مَنْ قلّدَهُ فِكْراً مُعارِضاً عن جدارة واستحقاق ، تعرَّض لما ذِكره سَبَقَ ، ومهما الأيام الفائزة بمرورها السريع لأغرب سباق ، لم تُبارح مكانها بالذي على طولها الْتَصَق ، إذا تكلَّم عبَّر عمَّا مَضَى وإلاّ صعقه البرق ، إن لم يُعَلَّق من فروة رأسه بمسمارٍ مُبتَكرٍ لا يُدَقّ ، تَشْرَئِبُّ له (عن تعذيبٍ برؤيته) الأعناق ، ليهدأ كهؤلاء زوار زنزانة المتشبثين بأفضل الأخلاق ، الصابرين في بعض البلاد جدّ الغنيَّة على تحمُّل ويلات الإمْلاق ، المُبعَدين عن مستقبل تمنوا به الالتحاق ، بالعيش الكريم كما تنصّ عليه طبيعة الانطلاق ، بزواج مع خيرات تخصهم كسواهم لا يسبقه طلاق ، وبممارسة حقوق مشروعة كعامة الخَلق ، في جهات أربع باستثناء جزء من الشرق ، حيث الذبح قاعدة تنافس الحرق ، كالحاصل في وطن عاصمته دمشق ، أو بين دجلة وفرات العراق ، أو لدى اليَمن حيث الدم البشري بغير رحمة بين المجاري مُهْرَق ، أو في فلسطين الباكية (من أعوام طويلة) عمَّا العدو منها سَرَق ، أو في لبنان المرشَّحة لأسوء انزلاق ، لتصل العدوى لشمال إفريقيا كما الأعنف لمزيد العنف مُشتاق ، كالواقع في تونس بين تِيكَ و تلكَ وهُنَّ والرئاسة والحكومة والبرلمان حيث حبل الاتفاق ، بِتُؤدَةٍ وبُطْءٍ يتمزّق ، أو في ليبيا لَمّا فضّلوا البدء بتوزيع المناصب والهرولة في اتجاه مَن يزكِّيهم لممارسة نفوذها بما يُطاق على أوسع نطاق ، بغير تسوية المتنامي انطلاقاً من بنغازي الجاعل كل اتفاق ، خالي الشروط الأخرى يظلّ مجرّد إنشاء مُنمَّق ، مكتوب بأسود على بياض ورق ، مُعطٍّرٍ بوعود ورديَّة مَصْقُولٍ بوجود أحلامٍ غير مُجدِيَّة يستأنس بها في مسيره بين بلاد أجنبية جهاز مُعاق . ... هم بعض عُرْبان استحضروا عينات الاستمرار من تقارير حجَبت عن سياساتهم بما اقترحت عليهم أن يُطبٌّق، ما أرادوا به الانفراد بأكل ما احتواه ذاك الطبق، من كنز ثمين يعوضهم عن أي لحم سابح في مَرق ، والغير يصارع الجوع بخبز حافي ممّا إليه تاق ، كأن البلاد مقتصر ريعها على نخب تمادت في تصديها لمن يحاولون بهم الإحْدَاق ، حتى يشعرون أن الزمن ليس الزمن وعدم تلبية متطلبات الإصلاح يولِّد الانفجار كالمطر سابقه إبْراق . بيدهم الحل إن شاء فيهم العقل وتراجعوا عما ظنوا أن البارحة كالغد لهم إذ الليل مهما رَوَّق ، الفجر يعقبه يحقق بنوره أيسر اختراق ، فلا بأس إن اكتفوا وراجعوا نفوذهم قبل تعرّضهم لأصعب مساءلة وأطول استنطاق ، ينهي ترفهم الزائد لمصير واحد حُكْم العادل به سينطق ، تلبية لنداء الدلائل المنصفة الحق بالحق . يكفي التمعن في أستراليا وما فوق أرضها تحقَّق ، الحاضنة في وِدّ لكل مَن لبابها طَرق ، طالبا تحسين حاله بحسنى الأَحْسَن مقاماً كان المُراد أو العمل أو ممّا كان فيه من حيث أَتَى الانعتاق ، مُلِماً بأنَّ الحرية في استراليا شقيقة للمسؤولية ، يُقَدِّرُ مَن عمِل بها أن الفرصة غير كافية ، إن أوصلته حلما صَدَقَ فوق أرضها بتحقيقه أبعد أمنية ، وإنما رغبة كبَّرتها أرادته بما يملك من سمات إنسانية شغلها الأكيد مرتبط بمقام يُحبُّ مَنْ يحب الخير ويكِدّ بعرق جبينه في أجواء صافية ، وَجَدَها مهيّأة لمن كان عاشقاً للحرية المُركَّبة بتلقائية على شركاء عقلية ، لا مكان وسطها لحاقد مستبد طاغية . المسؤولية في استراليا غير محددة في منصب مهما تسامى نفوذ صاحبه ، بل إدراك لقابلية خدمة الغير مهما كان مستواه داخل مجتمع متمتِّع بما خوَّل له القانون المحلّي ، القوي التصميم ، المحافظ على المكتسبات والممتلكات العامة والخاصة ، والسماح لمن يحظي بمشروعية الترخيص الرسمي ، للممارسة الفعلية ، على شكل شعائر دينية لمعتقدات ثلاث بغير فرق ، أو ما يدخل في تدبير المنظمات الحقوقية ، أو الجمعيات الُثقافية ، أو الأندية الرياضية ، أو قائمة تتضمَّن بالتفصيل ما يتمتَّع به المواطن الاسترالي بنظام وانتظام ، وما الإحساس بالرهبة خلال أول زيارة لهذا البلد الكبير و الجد محترم ، غير شعور نبيل يدخل الإنسان مُفعماً به لنور حقيقة فقدتها أقطار بعض عربان ، أن السعادة ليست في كسب المال ولكن في الكيفية المستعملة لكسبه ، وأن الراحة لا تتوفر بكثرة الحراس الأمنيين من شرطة ودرك ومخبرين سريين وعلنيين ، وإنما في رضي الأرض واحتضانها لكل وافد عليها بنية الإقامة بين أحضانها ، كما شاءت قوانينها العاملة لمصلحته طبعاً ، حتى وإن كان غير متكلم باللغة المكتوبة بها .