بقلم - ميرفت سيوفي
لا ينقص لبنان الغضب المتنقّل من مكان إلى آخر، يتفشّى مع تجمّعاته البشريّة كورونا بعشوائيّة مخيفة، يبدو الحديث في هذا التوقيت اللبناني المتأخر جداً بعد غرق البلاد وانهيارها عن ولادة «هيئة تنسيق القطاع العام» كأنّه حديث عن إحياء الموتى من النقابات والروابط، فجأة يريدون العودة إلى الحياة بمسمّى جديد وتدشين حضورهم على الساحة بـ»يوم غضب» كأنّ لبنان تنقصه عصفوريّة يوم غضب، أليْست النقابات هي هي والروابط هي هي، فعلى من تضحك هيئة تنسيق القطاع العام، وماذا باستطاعتها أن تغيّر في المشهد اللبناني حتى إذا بلغ غضبها عنان السّماء؟!
فجاءة استفاقت «هيئة تنسيق القطاع العام» على ما يسمّى بمشروع موازنة ٢٠٢١ وقررت تفجير الغضب اليوم في شوارع العاصمة، كأنّه مرّ دهر في الحديث عن موازنة الـ 2021، هل تتذكرون كيف أقرّت الموازنة السابقة بـ 49 صوتاً، وكيف كان إعداد الموازنة محكوم بإلغاء أرقام ونفقات تحت وطأة العين الحمرا التي يحدّق فيها البنك الدولي بلبنان ومطالبة المشقوعة بعضها فوق بعض لإعطائه قرض، ولكن الحسابات لم تتطابق، تفجير 4 آب لم يدمّر نصف بيروت فقط بل دمّر لبنان عن بكرة أبيه، ومع هذا وبوقاحة شديدة جبران باسيل يريد الثلث المعطّل ليحكم البلد ويُطيّر أي رئيس حكومة لا يستجيب لأوامره!!
في الأساس الحكومة لم تبقِ فتات لقمة عيش للشعب المعتّر ولا مصارفها تركت له ليرة من جنى العمر، والآن استفاقت هيئة التنسيق على حديث الموازنة، لا نعرف ما إذا كانت هذه الهيئة تعرف أن البلد محاصر ويدفع ثمن العقوبات على حزب الله الذي يرغمنا على سفسطة «المقاومة الاقتصاديّة»، من الذي أيقظ نفس طقم نقابات وروابط 5 أيار الشهير؟ ألم يبدأ 7 أيار تزامناً مع تحرّك هذه النقابات والروابط وقطعها الطرقات وتهيئة الأرضية لهجوم حزب الله في 7 أيار، هذا التحرّك يستدعي عشرات علامات الاستفهام وفي هذا التوقيت بالذات ولبنان بلا حكومة أصلاً، واحدة تصرّف الأعمال، وأخرى لم تتشكّل بعد، لذا الحديث عن الموازنة ملتبس ومدعاة لإثارة الرّيب والشّكوك، وفي هذا التوقيت بالذات!!
في العام 2019 كان يُقال بالفم الملآن، أن البلد يحتاج إلى 5 أو 6 مليارات ـ اليوم يحتاج أكثر بكثير ـ وأنه «في حال لم تصل هذه المبالغ فإن الوضع في لبنان، لقد بلغنا مرحلة الافلاس»، انهار البلد على رؤوسنا، والحديث جدّي ومعلن عن إعلاننا دولة فاشلة خلال أشهر قليلة، فما الذي سيغيّره «الكلام الفارغ» لهيئة التنسيق في الواقع اللبناني؟
قديماً قال ابن هانىء الأندلسي: «ألا كلُّ آتٍ قريبُ المَدى»، واستمرار اللاعبين السياسيّين في هدر الوقت الضاغط على اللبنانيين بشكل لم يشهدوه حتى في إيام الحرب الأهلية بهكذا مهازل لم يعد الشارع فيها تهديداً بتفجير فوضى عارمة، باستثناء حال القلق التي نعيشها يومياً قلقاً على قنينة أوكسيجين وسرير مستشفى ووصول اللَّقاح وبعدها على لقمة العيش، في العام 2019 كان اللبناني يرتعب عندما يقرأ جملة من نوع الأزمة ستلامس الدواء وتهدّد صحة المواطنين ورواتب الموظفين، كلّ هذا حدث وأكثر، واللبناني انكفأ كما لم يفعل يوماً، تفجير بيروت بزلزاله وعدم محاسبة أحد حتى الآن لم يحرّك اللبنانيين، فعن أي تمثيليّة تافهة تتحدث هيئة تنسيق القطاع العام؟!