بقلم - ميرفت سيوفي
يدخل اللبنانيون أسبوع مناورة «حكومة 888» والمرجّح أن تسقط على عتبة أسبوع آلام القيامة وعطلة الفصح بطقسيه الغربي والشرقي»، ولا يحتاج الأمر للاستنتاج أنّ اللعبة محكومة بجبران باسيل، ويكفينا خجلاً ما نقل عن السفيرة الفرنسيّة آن غريو طلبها من مستشار القصر أن يترك رئيس الجمهوريّة يتحدّث بنفسه»!! البعض ينظر بحذر إلى هذا الواقع التعطيلي المتمادي والتحذيرات التي تنطلق من هنا وهناك محذرة من اندلاع أعمال فوضى وشغب وتحذيرات من اغتيالات سياسيّة، وأمام هذه كلّها يبقى السؤال: متى تنفجر الأزمة الوطنيّة الكبرى الصامتة؟
طُرح عليّ سؤال إلى متى سيبقى حال اللبنانيين مستغرق في الصمت؟ تذكرت مقالة سبق وكتبتها عن الحالة النفسية التي يتصرف اللبنانيون تحت وطأتها في التعاطي مع الواقع الرديء الذي يعيشونه ولماذا يلتزمون الصمت، تذكّرت أنني سبق وكتبت شيئاً عن هذا الأمر، وفاجئني أنني كتبته في آب العام 2018، اللامبالاة، هذه المتلازمة التي أنهكت اللبنانيين واستنزفت قدرتهم على الالتفات بغضب إلى ما يعصف بهم وبوطنهم كلّ يوم.. بحسب علم النفس اللامبالاة هي حالة وجدانية سلوكية، معناها أن يتصرف المرء بلا اهتمام في شؤون حياته أو حتى الأحداث العامة كالسياسة وإن كان هذا في غير صالحه، مع عدم توفر الإرادة على الفعل وعدم القدرة على الاهتمام بشأن النتائج.. هذه متلازمة تستدعي أن نتلقّى كشعب علاجاً عامّاً علّنا نتجاوز هذه الحالة ونخرج منها سالمين.
عملياً نحن مصابون بمتلازمة أخرى يعيش اللبنانيّون تحت وطأتها واسمها Burnout syndrome أو «متلازمة الاحتراق النفسي» بل تخطّوها إلى «متلازمة احتراق وطني» الفشل سيّد الموقف، وإذا كان مصطلح متلازمة الاحتراق النفسي تمت صياغته من قبل عالم النفس الأميركي هربرت فريودنبرغ في السبعينات، لوصف عواقب الإجهاد النفسي الشديد، فبماذا نسمّي حالة «الإجهاد الوطني» الشديد التي تعصف بلبنان؟!
نحن نعيش أزمة احتراق ومحارق! هناك أزمة أخلاقية سياسية وإنسانية كبرى في هذا البلد، المشهد السياسي بات مرهقاً جداً ويضع اللبنانيين تحت وطأة إجهاد وضغط شديد، إلى أين يريدون أن يأخذوننا بعد؟ تتعقّد مع إيران في اليمن فتردّ في لبنان، تتعقّد مع إيران في العراق فتردّ في لبنان، تتعقّد بين أميركا وإيران فتردّ في لبنان، ومن طرائف نهاية الأسبوع حذف عبد الأمير اللهيان الشعب من الثلاثيّة «التنكيّة» لتصبح «جيش مقاومة حكومة»، هل يستطيع حزب الله بعد أن يخادع اللبنانيين بالحديث عن ثلاثيته الإيرانيّة؟!
تنطبق على الشعب اللبناني كلّ الأعراض الناتجة عن متلازمة الاحتراق النفسي وهي التوتر الدائم، القلق، الغضب السريع، الكآبة، الإحباط، الإنعزال، الوحدة والتفكير الانتحاري، هذا عدا عن المشاكل العضوية التي تظهر نتيجة العوامل النفسية كإرتفاع ضغط الدم، الشعور بالصداع، الشعور بالتشنجات العضلية وإرتفاع معدل السكّر في الدم، هل هناك لبناني واحد لا يعاني من هذه كلّها مجتمعة؟! هذا الاستخفاف بالشعب اللبناني والاستغراق في التعامل معه كأنّه غير موجود، وأنّه لا قيمة له في المعادلات السياسية، «يا بلا ضمير»، كفى تفخيماً وتعظيماً وتقديساً لهذا وذاك على حساب هذا الشعب المبتلى بكم!
هذا «الاحتراق الوطني» يجب أن يوضع له حدّ، أحياناً يكون الإنقاذ الوطني ليس بمنع حالة الغرق، بل بترك البلد المتهرىء يغرق، عمليّاً لا تستطيع أن تنقذ أحداً بالإكراه، دعوا الفريق المعطّل يغرق عن بكرة أبيه ويغرق البلد معه، قد يكون هذا هو الحلّ الوحيد لإنقاذ لبنان وشعبه من «جهنّم» اليومية الذي يحترق فيها!