بقلم - ميرفت سيوفي
تختنق الشوارع اللبنانيّة بازدحام سيارات كالعادة تحدّثك نفسك أنّها «عجقة العيد» تلتفت باتجاه واجهات المحلات حيث اعتدت أن ترى بهجة الأعياد مرسومة على واجهاتها المغرية بألوانها، تبحث فتطالعك واجهات كئيبة ومحلات أبوابها مقفلة أو تحمل إعلان «محلّ للإيجار»، ليس هناك من حركة بيع وشراء، حتى الـ «حركة بلا بركة» لا تشعر بها، يداخلك شعور بالحزن، هذه ليست شوارعنا ولا أعيادنا ولا شوارعنا التي تكتسي بكلّ أنواع الزينة، تعود إلى بيتك بعد جولة طويلة في قلبك غصّة وفي عينك دمعة وفي صوتك احتباس يمنعك من الكلام من الصراخ في وجه حكّام يتقاذفوننا من أسبوع لآخر وهم عاجزون ـ ويعرفون هذا تمام المعرفة ـ حتى عن تشكيل حكومة، فـ «تيريز» شياطينها حاضرة ناضرة لقطع أي خيط أمل أو تفاؤل!
أشياء كثيرة تعكير صفو عيد الميلاد، تكفي شوارع وبيوت بيروت بعد تفجير 4 آب المروّع، اللبنانيّون بحاجة حقيقيّة إلى إجازة العيد وفرحه، كلّ ما يحيط باللبنانيين ضاغط وفوق طاقة احتمالهم، لا يريدون حتى أن يدعوا اللبنانيّين الفقراء وقد صاروا أغلبيّة يُفرحون أولادهم ببساطة ما تبقّى لديهم ممّا تعول عليه هذه العائلات الجائعة، تفجير 4 آب فضح حجم الجوع الذي يسكن البيوت والحزن المعشّش فيها، فالفرح يشبع القلوب والبطون الجائعة، أما الحراك السياسي والطلعة والنّزلة إلى قصر بعبدا لن تقدّم ولن تؤخّر ولن تثمر حكومة وهي لن تطعم اللبنانيين إلا ضجيجاً يوتّر مساءات عيد الميلاد، وصباحاته!
هذه السّنة يأتي عيد الميلاد مثقلاً بآلام اللبنانيين،بالضحايا بكثير من الشهداء وآلاف من الجرحى وآلف البيوت المدمّرة، لم يتبقَ للبنانيين سوى أن يتقاسموا معاً لقمة العيد ودمعته، وعسى أن يخرج من بينهم من يطرق أبواب البيوت الباردة، الأبواب التي تخفي خلفها القلق والكدر والبرد والمرض والفقر، الموت والفقر والمرض يهجّران الأعياد، ويسحقون ابتسامات الطفولة، حتى في زمن الحرب الأهليّة كانت العائلات تتجمّع حول بعضها البعض في المدن والقرى تبحث عن دفء المحبّة وأضواء السّلام البعيدة، علّها تستعيد شيئأً من سلام استقبال السيّد المسيح برغم كآبة ما كان يعصف بلبنان وشعبه، فأين يتجمّع أصحاب القلوب والبيوت بعدما تهدّمت بيوتهم وتخلّعت قلوبهم؟!