بقلم - ميرفت سيوفي
أن يتفوّق لبنان بالحزن، هذه مسألة فيها نظر متعمّق، لم يحدث طوال سنين الحرب الأهليّة أن أصيب الشعب اللبناني بالحزن إلى درجة المنافسة العالمية بين الشعوب العشر الأوائل المتفوقة بأحزانها، الحزن أصاب الشعب اللبناني تماماً كما شعب راوندا الناجي من هول الإبادة كما الشعب العراقي الخارج من هول صدام إلى أهوال الحرب الأميركيّة وسيطرة إيران وحرب داعش، يؤكد الواقع اللبناني الميؤوس منه أنّ حال البلد صار كـ”مرضٍ مستعصٍ” أمام مسؤولين يصرّون على إغراق الشعب اللبناني في مستنقع اليأس والإحباط، وأنّهم يمارسون أكبر عملية خداعٍ واحتيال في تاريخ لبنان وشعبه بادّعاء أنّهم فعلاً مسؤولين!!
الحصار والخناق الذي يضيق على اللبنانيين، الذين استكانوا لقرار صامت بوأد الثورة، فتراجع وهج غضبهم حدّ الإنطفاء، ولا يلام اللبنانيّون على هذا الانخذال فثورة مئة يوم أسفرت عن حكومة حسان دياب، فما الذي إلى التفاؤل مع هكذا نتيجة؟ حكومة “خُشُبٍ مُسنّدة” بالكاد نسمع صوتاً يصدر عن رئيسها أو وزرائها، على الرّغم من الكوارث الكبرى التي تنتظر البلاد، واقعنا يفضح حقيقة أن لا حكومة في البلد مجرّد خيالات صحرا تمّ تنصيبها حتى لا تتساءل الدول وتضغط في مواجهة الفراغ السياسي، ألسْنا نعيش حالة فراغ سياسي على المستوى الحكومي لم يشهد لبنان مثيلاً لها في هذه الظروف المأساوية التي تضرب البلاد؟! كل ما يحدث حولنا يؤكد أنّنا نحن أيضاً شعب حزين حتى الموت!!
اعتاد اللبنانيّون أن الحال في لبنان لا يتغيّر إلا من سيء إلى أسوأ، ويُدرك اللبنانيّون أنّهم يعيشون بـ”اللطف الإلهي”، وعدم الانتظار هذا يساعد اللبنانيّين على الاستمرار، عدم الانتظار ينقذهم من الإحساس بالخيبات المتتالية من دولة تعدهم ولا تفي، دولة تأخذ منهم بل تستنزفهم لذا فقد المواطن اللبناني ثقته نهائيّاً بكلّ الوعود والشعارات الحكومية والسياسيّة، يحاول اللبنانيّون استدعاء بهجة الأعياد، هذه المرة حزينة أعيادنا أكثر من أي أعياد سبقتها، في كانون الأول وحده كنا نرثي شهداء ثلاثة جبران تويني واللواء فرانسوا الحاج والدكتور محمّد شطح، تأتي الأعياد، والرجال والمواطنون الأبرياء الذين ماتوا.. ماتوا.. قد يبدو أن اللبنانيّين نسوْا غابة الشهداء وسط هذا الانزياح في المشهد الدّاخلي، والحقيقة ليست كذلك، الدماء تبقى حارّة وللشعوب كبواتها.
من الطبيعي أن يكون الحزن هو النهاية الطبيعية لمعايشة دولة مارست حتى الأمس سلوك “اللصوصيّة” على مواطنيها، أخذت منهم ضرائبها كاملة، واحتارت كيف تمارس سياسة نهب أموال المواطن عبر الغرامات المختلفة وهي تعرف أنّها تحمّله ما لا يطيق، حتى وصلت إلى عضة رغيفه وحرمانه من منقوشته وسرقة دوائه وفنجان قهوته بحكومة تصريف أعمال تعتقد أنها حكومة كاملة الأوصاف!
أيّ ثقة في دولة لا تحمي حقوق مواطنيها، وأي ثقة في دولة تأخذ من مواطنيها ولا تعطيهم، وأي ثقة في دولة عاجزة وعلى كلّ المستويات حتّى إذا أمطرت السماء خربت الأرض، وأيّ ثقة في دولة تؤكّد فشلها كلّ يوم وفي كلّ المناطق، أمّا اللبنانيّون فيعيشون أسوأ أيام وطنهم على الأقل منذ خمسين عاماً، إلا أنّهم تمرّنوا على تجرّع كلّ أنواع الحسرات، لم يعد لنا إلا الأطفال في بيوتنا يبعثون الفرح ويمدّوننا ببهجة أعياد مرتجاة.