بحثا عن صيغة جديدة للبنان

بحثا عن صيغة جديدة للبنان

بحثا عن صيغة جديدة للبنان

 صوت الإمارات -

بحثا عن صيغة جديدة للبنان

خيرالله خيرالله
بقلم - خيرالله خيرالله


كشفت الكارثة التي حلّت ببيروت انّه لم يبق امام لبنان سوى "الحياد". كذلك كشفت حاجة البلد الى صيغة جديدة يقوم عليها في حال كان مطلوبا بقاءه على قيد الحياة. صيغة بعيدة كلّ البعد عن صيغة الدويلة، أي دويلة "حزب الله" التي تتحكّم بالدولة اللبنانية بما في ذلك ميناء بيروت.

لا وجود لبديل من الحياد، سوى الخراب والدخول في مزيد من المغامرات التي تهدّد وجود البلد. هذا ما اظهرته تجربة لبنانية عمرها 51 عاما، أي منذ توقيع اتفاق القاهرة المشؤوم في العام 1969... وصولا الى ما حلّ ببيروت في الرابع من آب – اغسطس 2020. لعلّ الكارثة تكون مدخلا الى الصيغة الجديدة التي لا يمكن الّا ان تبدأ بـ"الحياد" وخروج ميشال عون من قصر بعبدا ورحيل حسّان دياب وحكومته، "حكومة حزب الله".  

ثمّة من يحاول تجاهل التجربة المرّة التي يعيشها لبنان منذ ما يزيد على نصف قرن عن طريق الشعارات الطنانة، من نوع "المقاومة" و"الممانعة" من جهة والهرب من الواقع من جهة أخرى. لا تطعم الشعارات خبزا ولا تعيد أموال المودعين في المصارف، للأسف الشديد.

لا يمكن حماية لبنان بالهرب من الواقع المتمثّل في ان لبنان اخطأ بحق ذاته وان اللبنانيين لم يعرفوا يوما انّ ما افتقدوه، بسبب ما اقترفوه بحقّ انفسهم اوّلا. ما افتقدوه لن يستعيدوه في يوم من الايّام.

لم تكن دعوة البطريرك الماروني بشارة الراعي الى "الحياد" سوى محاولة أخيرة لجعل اللبنانيين يتصالحون مع الواقع بدل اللجوء الى اعذار تعجيزية من النوع المضحك المبكي لتبرير رفض "الحياد". من بين هذه الاعذار الحاجة الى "اجماع وطني" كي يتحقّق "الحياد". كانت تلك الرسالة التي حملها جبران باسيل رئيس "التيّار الوطني الحر" الى البطريرك الراعي، وهي في الواقع رسالة من "حزب الله" الذي لا يزال باسيل يعتقد انّه سيجعل منه رئيسا للجمهورية في السنة 2022... او ربّما قبل ذلك!

المسألة بكل بساطة مسألة حياد او لا حياد. مسألة ان يكون لبنان او لا يكون. هذا ما على المحكّ. ما طرحه البطريرك الماروني فرصة أخيرة لإنقاذ لبنان، هذا اذا كان ما لا يزال هناك ما يمكن إنقاذه في بلد تعرّض لمجموعة من الانهيارات. انهار النظام المصرفي وانهارت الجامعة وانهارت المدرسة وانهار المستشفى... وانهار القطاع الفندقي وكلّ ما له علاقة بالسياحة. انهارت الصحافة ودور النشر في لبنان. بكلمتين. انهارت بيروت. لم يكن ينقص سوى الكارثة الأخيرة. انهارت بيروت بكلّ ما تمثّله. هل يمكن الكلام عن بقاء شيء من لبنان؟

بالطبع، سيكون ممكنا الكلام مجدّدا عن لبنان في حال توفّر له الحياد كدولة قادرة على استعادة دورها من خلال عهد جديد لا علاقة له بـ"عهد حزب الله" ومن خلال حكومة مختلفة كلّيا، شكلا ومضمونا، عن "حكومة حزب الله".

وحده الحياد يستطيع إعادة الثقة بلبنان وإعادة تركيبه على أسس مختلفة. يكون ذلك باستعادة لبنان لعلاقاته العربية والدولية بدل ان يكون مجرّد جرم يدور في الفلك الإيراني. من هذا المنطلق، تبدو دعوة البطريرك الراعي الى "الحياد" جزءا من مشروع متكامل يمتلك ركائز عدّة. لم يتحدث رأس الكنيسة المارونية عن "الحياد" فقط. شرح ايضا انّ "الحياد" يعني بين ما يعنيه الابتعاد عن ايّ احلاف إقليمية او دولية، وتعاطف لبنان مع قضايا حقوق الانسان وقيام دولة قادرة. اكثر من ذلك، شدّد على وجود دولة قويّة وجيش قوي. بكلام أوضح، هناك دعوة الى "فكّ اسر الشرعية اللبنانية" وتنفيذ القرارات الدولية المتعلّقة بلبنان، في مقدّمها القرارات 1559 و1680 و1701. عندما يتحدّث رئيس الجمهورية ميشال عون عن التزام لبنان القرار 1701، هل يعي ان القرارات الدولية الأخرى، بما في ذلك القرار 1559، وردت في مقدمة نص القرار 1701؟

شكا "حزب الله" دائما من القرار 1559 الذي صدر في أيلول 2004. في الوقت ذاته، اعتبر النظام السوري في البداية انّه "غير معنيّ به"، الى ان اضطر الى الانسحاب عسكريا من لبنان مع ما يعنيه ذلك من انتقال للبلد من الوصاية الإيرانية – السورية، الى الوصاية الإيرانية المباشرة. من المفترض ان يعي "حزب الله"، هذا الامر في حال لديه ايّ هامش للمناورة يسمح له باخذ مصالح اللبنانيين جميعا في الاعتبار، بما في ذلك مصالح الطائفة الشيعية. فتنفيذ القرارات الصادرة عن مجلس الامن شرط من شروط انقاذ لبنان. ولكن يبقى السؤال هل يريد "حزب الله" انقاذ لبنان ام كلّ ما يريده ان يكون البلد "ساحة" لايران؟

هناك فارق كبير بين "الحياد" والحقد على لبنان. يسمح "الحياد" بإعادة مدّ الجسور مع العالم. مع العرب ومع أوروبا ومع اميركا. لا يمكن للبنان البقاء قاعدة معادية لكلّ ما هو عربي في المنطقة. لا يمكن للبنان ان يكون موضع شكوى أوروبية وأميركية دائمة.

لم تعد اميركا مهتمّة بما يحلّ بلبنان. صار انعدام الاهتمام بلبنان، بمسيحييه ومسلميه، بل بمسيحييه قبل مسلميه، سياسة أميركية وليس سياسة خاصة بإدارة دونالد ترامب. فضلا عن ذلك، يصعب على من يمتلك حدّا ادنى من المعرفة بما يدور في العالم، تجاهل التحولات التي تشهدها أوروبا في مجال العلاقة مع "حزب الله". تبدو فرنسا في الطريق الى اتخاذ موقف متشدّد من الحزب، على غرار ما فعلته المانيا وبريطانيا أخيرا. كان الموقف الأخير لبرلين منعطفا مهمّا، خصوصا مع الحملة على مناصري الحزب وجمعياته في المانيا، وهي حملة ترافقت مع اعتبار الحزب "منظمة إرهابية"!

باختصار شديد، ان لبنان يعاني من العزلة. لا يكسر طوق العزلة سوى "الحياد" الذي لا يعني بايّ شكل التخلّي عن المواقف العربية المعروفة من فلسطين والفلسطينيين.

السؤال في غاية البساطة: هل يريد لبنان فكّ عزلته ام البقاء في هذه العزلة؟ هناك فارق كبير بين من يريد مساعدة لبنان ومن هو حاقد على لبنان، أي على قصة نجاح باتت تنتمي الى الماضي قاومت ثقافة الموت طويلا.

في السنة 2020، لم يبق سوى "الحياد" وسيلة لممارسة المقاومة في وجه الحاقدين على لبنان والراغبين في جعله ورقة إيرانية من اجل صفقة تحلم بها طهران مع "الشيطان الأكبر" و"الشيطان الأصغر" في يوم من الايّام.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

بحثا عن صيغة جديدة للبنان بحثا عن صيغة جديدة للبنان



GMT 21:31 2024 الأربعاء ,23 تشرين الأول / أكتوبر

كهرباء «إيلون ماسك»؟!

GMT 22:12 2024 الثلاثاء ,22 تشرين الأول / أكتوبر

لبنان على مفترق: السلام أو الحرب البديلة

GMT 00:51 2024 الأربعاء ,16 تشرين الأول / أكتوبر

مسألة مصطلحات

GMT 19:44 2024 السبت ,12 تشرين الأول / أكتوبر

هؤلاء الشيعة شركاء العدو الصهيوني في اذلال الشيعة!!

GMT 01:39 2024 الجمعة ,11 تشرين الأول / أكتوبر

شعوب الساحات

GMT 17:40 2021 الجمعة ,01 كانون الثاني / يناير

تطرأ مسؤوليات ملحّة ومهمّة تسلّط الأضواء على مهارتك

GMT 19:20 2020 السبت ,31 تشرين الأول / أكتوبر

حظك اليوم برج العذراء الأحد 31 تشرين أول / أكتوبر 2020

GMT 15:06 2020 الإثنين ,17 آب / أغسطس

طريقة تحضير ستيك لحم الغنم مع التفاح الحار

GMT 20:28 2018 الأربعاء ,24 تشرين الأول / أكتوبر

غادة عادل تنشر صورتها مع زميلاتها في إحدى صالات الجيم

GMT 22:38 2018 الثلاثاء ,11 أيلول / سبتمبر

الغساني يبدي سعادته بالأداء الذي يقدمه مع الوحدة

GMT 16:15 2015 الأربعاء ,04 شباط / فبراير

"بي بي سي" تطلق موقعًا جديدًا على الإنترنت

GMT 21:06 2021 الإثنين ,26 إبريل / نيسان

طقس غائم وفرصة سقوط أمطار خلال الأيام المقبلة

GMT 20:01 2021 الإثنين ,01 شباط / فبراير

التفرد والعناد يؤديان حتماً إلى عواقب وخيمة

GMT 06:47 2021 الثلاثاء ,26 كانون الثاني / يناير

ابرز النصائح والطرق لتنظيف السيراميك الجديد لمنزل معاصر

GMT 08:14 2019 الإثنين ,02 كانون الأول / ديسمبر

"أدهم صقر" يحصد برونزية كأس العالم للخيل في باريس

GMT 09:42 2019 الأربعاء ,19 حزيران / يونيو

"بيوتي سنتر" مسلسل يجمع شباب مصر والسعودية

GMT 22:57 2019 الأربعاء ,06 آذار/ مارس

بن راشد يعتمد 5.8 مليار درهم لمشاريع الكهرباء
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
emirates , emirates , Emirates