في الأمس القريب لم تكن من حاجة إيرانيّة إلى ابتسامة وزير الخارجية السابق محمد جواد ظريف. فجأة عاد ظريف عن استقالته من موقع مساعد رئيس الجمهوريّة للشؤون الإستراتيجية وبات في الواجهة.
الأكيد، أن تلك العودة لم تكن ممكنة لولا رضا «المرشد» علي خامنئي الذي مكّن «الإصلاحي» مسعود بزشكيان من أن يكون رئيساً للجمهوريّة خلفاً للرئيس الراحل إبراهيم رئيسي.
فاز بزشكيان على المتشدد سعيد جليلي بعدما وعد الإيرانيين بأنّه سيسعى إلى الانفتاح على العالم. إنّه عنوان مغر لحدث ينتظره المواطن الإيراني العادي بفارغ الصبر.
لا يمكن تفسير العودة إلى ما الذي جعل خامنئي يغيّر موقفه من ظريف الذي في سجلّه النجاح في التوصل إلى الاتفاق في شأن الملف النووي الإيراني الذي وقّع صيف العام 2015 قبل أشهر قليلة من انتهاء ولاية باراك أوباما؟
يبدو واضحاً أن القيادة الموجودة في إيران تعد نفسها لمرحلة ما بعد الانتخابات الرئاسيّة الأميركيّة في الخامس من نوفمبر المقبل. تحتاج، في هذا السياق، إلى شخص مثل جواد ظريف يعرف الولايات المتحدة جيداً ويجيد التعاطي مع إدارة ديمقراطيّة برئاسة كامالا هاريس التي تتقدّم بثبات على المرشّح الجمهوري دونالد ترامب.
تشير كلّ المعلومات الواردة من العاصمة الأميركيّة إلى أنّ هاريس، ذات الخبرة المتواضعة في ملفات السياسة الخارجيّة، ستكون تحت تأثير أوباما الذي لم يخف يوماً إعجابه بإيران.
تمتلك المستشارة فاليري جاريت، المولودة في إيران، نفوذاً كبيراً على أوباما وزوجته ميشيل. لديها علاقة تاريخية بهما ولم تخف يوماً إعجابها بالحضارة الفارسيّة، متجاهلة كلّياً العداء الذي يكنه نظام «الجمهوريّة الإسلاميّة» لكلّ ما هو أميركي في هذا العالم.
لم يعد خافياً أن الخيارات الإيرانيّة باتت محدودة، خصوصاً في ظلّ الرغبة الواضحة في تفادي مواجهة مباشرة مع الولايات المتحدة وإسرائيل.
يفسّر ذلك الردّ المدروس لـ«حزب الله» على اغتيال فؤاد شكر، أحد أبرز قيادييه بواسطة مسيّرة إسرائيلية استهدفته في الضاحية الجنوبيّة لبيروت.
كذلك، لابدّ من التوقّف عند أن إيران لم تردّ بعد على اغتيال إسماعيل هنيّة رئيس المكتب السياسي لـ«حماس» في اثناء وجوده في طهران بحماية «الحرس الثوري» وضيافته.
قد لا تردّ إيران، على الرغم من الكلام الصادر عن المصادر الرسميّة الأميركيّة عن استعدادات لمثل هذا الردّ.
حتى لو ردّت «الجمهوريّة الإسلاميّة»، من زاوية المحافظة على ماء الوجه، سيكون ردّها مدروساً ومن نوع ذلك الذي قامت به في أبريل الماضي ردّاً على مقتل عدد من قياديي «فيلق القدس» في ضربة إسرائيليّة استهدفت القنصلية الإيرانيّة في دمشق.
يمكن القول إن الخيارات الإيرانيّة صارت محصورة بالرهان على وصول هاريس إلى البيت الأبيض. ستكون المعركة بينها وبين ترامب حامية جدّا.
يظلّ أهمّ ما في الأمر أنّ دخولها البيت الأبيض كرئيس للولايات المتحدة سيريح «الجمهوريّة الإسلاميّة» التي ستكون في حاجة إلى خبرة جواد ظريف الذي عرف دائماً كيف التعاطي مع رجالات إدارة أوباما، في مقدّمهم وزير الخارجيّة جون كيري.
هذا لا يعني انتفاء الحاجة الإيرانيّة إلى جواد ظريف في حال عودة ترامب إلى البيت الأبيض، خصوصاً أنّ وزير الخارجية الإيرانيّ السابق يمتلك خبرة واسعة في الشأن الأميركي، مع تفضيله في طبيعة الحال بقاء الديمقراطيين في البيت الأبيض، من خلال نائبة جو بايدن، هاريس، بدل عودة ترامب إليه.
في كلّ الأحوال، لدى إيران لوبي في غاية الأهمّية في الولايات المتحدة. عمل هذا اللوبي دائما لمصلحة «الجمهوريّة الإسلاميّة»، لكنّه لم يستطع تجنيبها العقوبات التي وضعتها عليها الإدارات المختلفة ولم يستطع منع ترامب من تمزيق الاتفاق في شأن الملفّ النووي واتخاذه قراراً بتصفية قائد «فيلق القدس» قاسم سليماني مطلع العام 2020.
تسمح عودة جواد ظريف إلى الواجهة لإيران بكسب الوقت، خصوصاً أنّ حرب غزّة سمحت لها بخوض حروب أخرى بواسطة أدواتها في المنطقة، أكان ذلك في لبنان أو سورية أو العراق أو اليمن.
ابتلعت «الجمهوريّة الإسلاميّة» لقمة كبيرة تحتاج إلى وقت طويل لهضمها. صحيح أن النظام السوري متردّد في الاستجابة لكلّ طلباتها، خصوصاً في ما يخص لعب دور في «اسناد حرب غزّة»، لكن الصحيح أيضاً أن مرحلة ما بعد حرب غزّة كشفت مدى السيطرة الإيرانيّة على لبنان والعراق.
ليس أفضل من جواد ظريف يستخدم لكسب الوقت في هذه المرحلة بالذات في ظلّ رئيس «إصلاحي» اسمه مسعود بزشكيان.
يظلّ السؤال الحقيقي، هل يحصل تغيير حقيقي في إيران يوماً، بغض النظر عن وضع ابتسامة جواد ظريف في الواجهة أو حجبها؟ الجواب أنّ التغيير لا يكون عبر العودة إلى الاستعانة برجال مثل وزير الخارجية السابق. التغيير يكون على الأرض عندما تتوقف «الجمهوريّة الإسلاميّة» عن الاستعانة بميليشياتها، لتخريب هذا البلد العربي أو ذاك، وصولاً إلى تحويل جزء من اليمن لموطئ قدم لها في شبه الجزيرة العربيّة.
باختصار، ثمّة حاجة إلى رؤية تغيير على الأرض، أكان ذلك في لبنان أو سورية أو العراق أو اليمن، قبل القول إن إيران تغيّرت بالفعل... ولم تتغيّر ظاهراً من أجل كسب الوقت في لعبة مكشوفة تستهدف، بين ما تستهدفه، تطوير برنامجها النووي وصنع قنبلة... والبحث عن طريقة لعقد صفقة مع أميركا وليس مع أحد غيرها!