سنان أبو لحوم وداع للقبيلة في اليمن

سنان أبو لحوم... وداع للقبيلة في اليمن

سنان أبو لحوم... وداع للقبيلة في اليمن

 صوت الإمارات -

سنان أبو لحوم وداع للقبيلة في اليمن

خيرالله خيرالله
بقلم - خيرالله خيرالله

بغياب الشيخ سنان أبو لحوم، ابرز مشائخ بكيل، كبرى القبائل اليمنية واوسعها انتشارا، يغيب احد آخر رموز التركيبة القبلية اليمنية التي ميّزت هذا البلد لسنوات طويلة. شيئا فشيئا، انتقل المجتمع اليمني، خصوصا في الشمال، من مجتمع تتحكم به القبيلة الى مجتمع منقسم أيديولوجيا، كما عليه الحال الآن بين الاخوان المسلمين الذين استطاعوا السيطرة على حزب التجمّع اليمني للإصلاح من جهة والحوثيين، الذين تزداد سيطرة ايران عليهم، بما في ذلك مذهبيا، من جهة أخرى.

من ابرز التطورات التي شهدها اليمن، على الصعيد الداخلي، منذ العام 1974، تاريخ تولي إبراهيم الحمدي الرئاسة، وصولا الى عهد علي عبدالله صالح وما تلاه، يأتي تلاشي دور القبيلة تدريجيا. جاء غياب الشيخ عبدالله بن حسين الأحمر، شيخ مشائخ حاشد، في نهاية العام 2007 ليكرّس تحوّل التجمع اليمني للإصلاح من حزب قبلي – إسلامي، الى تنظيم اخواني بحت.

خرج الشيخ سنان، الذي توفّى في القاهرة عن عمر تجاوز المئة عام، من السياسة اليمنية منذ فترة طويلة، لكنه ظلّ يمتلك حضورا معنويا بفضل شخصيته الاستثنائية من جهة وعائلته الكبيرة ذات الوجود القوي في المجتمع اليمني من جهة أخرى.

كان للعائلة حضورها داخل المؤسسة العسكرية كما ضمّت عددا من المثقفين الذين تلقوا تعليمهم في مدارس وجامعات خارج اليمن وتخرّجوا منها. كان ابناء ابولحوم من أبناء العائلات اليمنية القليلة الذين درسوا في لبنان ومصر ودول اخرى مثل الولايات المتحدة. يعود الفضل في ذلك الى حد كبير، الى الذهن المنفتح الذي ميّز سنان أبو لحوم مقارنة بغيره من كبار الرموز القبلية. بالمقاييس اليمنية، كان رجلا متحرّرا، بما في ذلك في مجال دور المرأة في المجتمع. كانت شقيقته عزيزة، زوجة محسن العيني، رئيس الوزراء السابق والسفير في واشنطن لفترة طويلة، اوّل امرأة تقود سيارة في صنعاء.

حتّى العام 2010 وطوال ربع قرن، كنت ازور اليمن ثلاث او اربع مرات، على الاقلّ، في السنة. تعرّفت الى عائلات كثيرة وشخصيات من طبقات اجتماعية ومناطق مختلفة. تعرّفت على قبليين وعلى ممثلي العائلات الهاشمية العريقة، مثل آل المتوكل، وعلى تجار من تعز وجوارها وعلى جنوبيين من مشارب مختلفة لعبوا ادوارا سياسية قبل الوحدة وبعدها في العام 1990. كان هناك في اليمن مجتمع غني ومتنوع يضمّ مشائخ بارزين من بكيل. على رأس هؤلاء سنان أبو لحّوم واخواه الشيخ علي والشيخ محمّد. كانت صنعاء مدينة تتوسّع باستمرار وتنفتح ببطء على ثقافة الحياة.

كان واضحا منذ البداية، اقلّه بالنسبة اليّ، أنّ الرئيس علي عبدالله صالح لم يكن يكنّ ودّا لآل أبو لحوم ولبكيل بشكل عام، علما ان احد مساعديه اصرّ على انّه بدأ عهده الرئاسي الطويل (1978- 2012) بعلاقة ودّية مع الشيخ سنان وذلك قبل ان يتوجه الى التحالف مع الشيخ عبدالله الأحمر الذي قدّمه لي الرئيس نفسه مرّة بقوله: "هذا شيخي".

لعب إبراهيم الحمدي بين 1974 و1977، تاريخ اغتياله، دورا في ضرب التركيبة القبلية اليمنية، علما ان الشيخ سنان نفسه ساهم في ايصاله الى الرئاسة خلفا للقاضي عبدالرحمن الارياني. فضّل الارياني الانكفاء وترك اليمن اثر خلافه مع الشيخ سنان وغيره من الساسة. اعتبر سنان أبو لحوم لاحقا، بعد الصدام المباشر بين القبائل والحمدي، انّه قد يكون الشخص الوحيد الذي "نفّذ انقلابا على نفسه"...

بعد اغتيال الحمدي وخليفته احمد حسين الغشمي، جاء علي عبدالله صالح الذي امتلك طريقته الخاصة في التعاطي مع القبائل. بدل الصدام المباشر، لجأ الى ربطها بمصالح تجارية وما شابه ذلك... وحتّى الى افسادها. كان يعرف تماما مدى قابلية القبائل لدخول لعبة الفساد. كان واضحا في مراعاته لشيوخ معينين من قبائل مختلفة وتفضيله الشيخ عبدالله الاحمر على الشيخ سنان وافراد عائلته تحديدا.

في الطريق الطويل الى تراجع دور القبائل، هناك محطات يمنية كثيرة. من بين المحطات القديمة مجزرة بيحان في شباط – فبراير 1972 التي ارتكبها الحكم اليساري في الجنوب اليمني. كان اهل النظام في الجنوب يطمحون الى توحيد البلد ولكن من منطلق ما يؤمنون به انطلاقا من تجربة خاصة بهم. وجّه النظام دعوة الى مجموعة من مشائخ الشمال، خصوصا من قبيلة خولان، التي تضمّ مقاتلين شرسين. لدى وصول هؤلاء الى بيحان في محافظة شبوة، نُصب للمشائخ مكمن، بشكل حقل الغام، قتل فيه 74 قبليا معظمهم من المشائخ. كان من بين ابرز الضحايا الشيخ ناجي الغادر.

ما بدأ بمحاولة جنوبية لجعل نظام "جمهورية اليمن الديموقراطية الشعبية" يعمّ اليمن كلّه، انتهى بضرب النظام القبلي لمصلحة تفتيت اليمن. يحصل ذلك الآن في ظلّ التجاذب بين طرفين يوجد تحالف ضمني، بل تواطؤ بينهما، من تحت الطاولة أحيانا ومن فوقها في أحيان اخرى. نجح الحوثيون في الشمال بجعل التركيبة القبلية تصبّ في خدمتهم... من منطلق أيديولوجي. في طريقهم الى صنعاء صيف العام 2014 استطاع الحوثيون تجييش مقاتلين من بكيل وحاشد في هجماتهم على معاقل آل الأحمر، زعماء حاشد، في محافظة عمران. بعدما احتلوا صنعاء ابتداء من 21 أيلول – سبتمبر 2014، اشركوا قبليين في مؤسسات السلطة. هناك، على سبيل المثال صادق أبو شوارب، من حاشد، الموجود في ما يسمّى المجلس السياسي التابع للحوثيين. امّا نائب رئيس الوزراء وزير المال في الحكومة الحوثية فهو شخص يدعى رشيد أبو لحوم!

ما يبدو جديرا بالملاحظة مع وفاة الشيخ سنان أبو لحوم، الذي سيسمح الحوثيون بالإتيان بجثمانه الى صنعاء ليوارى في ارض اليمن، ان كلّ ما في البلد تغيّر. صار على جثمان الشيخ سنان او "عمّي سنان" كما كان يناديه الكبار والصغار، اخذ اذن من عبدالملك الحوثي للعودة الى صنعاء. قد يكون مثل هذا الاذن الذي احتاج اليه جثمان سنان أبو لحوم بمثابة وداع للقبلية في اليمن...

هناك يمن جديد يبحث عن صيغة جديدة. من ابرز ما في هذا اليمن الجديد انفراط التركيبة القبلية للمجتمع، بحسناتها وسيئاتها. كان الشيخ القبلي الحكَم بين الناس. لم يعد في اليمن من يمارس دور الحكَم. لا وجود سوى للفراغ، وهو فراغ على كلّ المستويات يشغله الحوثيون في الشمال والاخوان المسلمون في أماكن أخرى وليس في كل الأماكن بعد.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

سنان أبو لحوم وداع للقبيلة في اليمن سنان أبو لحوم وداع للقبيلة في اليمن



GMT 21:31 2024 الأربعاء ,23 تشرين الأول / أكتوبر

كهرباء «إيلون ماسك»؟!

GMT 22:12 2024 الثلاثاء ,22 تشرين الأول / أكتوبر

لبنان على مفترق: السلام أو الحرب البديلة

GMT 00:51 2024 الأربعاء ,16 تشرين الأول / أكتوبر

مسألة مصطلحات

GMT 19:44 2024 السبت ,12 تشرين الأول / أكتوبر

هؤلاء الشيعة شركاء العدو الصهيوني في اذلال الشيعة!!

GMT 01:39 2024 الجمعة ,11 تشرين الأول / أكتوبر

شعوب الساحات

GMT 18:04 2019 الإثنين ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

الحب على موعد مميز معك

GMT 00:42 2019 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

كردستان تحتضن معسكر المنتخب العراقي لكرة السلة

GMT 01:57 2019 الأربعاء ,24 إبريل / نيسان

عقبة تُواجه محمد صلاح وساديو ماني أمام برشلونة

GMT 05:18 2018 الخميس ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

ريماس منصور تنشر فيديو قبل خضوعها لعملية جراحية في وجهها

GMT 17:03 2019 الإثنين ,15 إبريل / نيسان

استقبلي فصل الخريف مع نفحات "العطور الشرقية"

GMT 04:38 2018 الإثنين ,12 شباط / فبراير

خدع بسيطة لتحصلي على عيون براقّة تبدو أوسع

GMT 01:20 2013 الأحد ,21 إبريل / نيسان

دومينو الـ10 ألاف "آيفون 5 إس" الجديد

GMT 01:14 2013 الخميس ,28 تشرين الثاني / نوفمبر

الإقامة الفاخرة في جزيرة جيكيل الأميركية

GMT 20:41 2018 الإثنين ,08 كانون الثاني / يناير

إريكسون يؤكد أن ساوبر أنقذت نفسها من موسم "كارثي" في 2017

GMT 10:32 2017 الجمعة ,08 كانون الأول / ديسمبر

دلال عبد العزيز تكشف عن تفاصيل دورها في "سوق الجمعة"
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
emirates , emirates , Emirates