السودان ومعادلة العسكر والشارع

السودان ومعادلة العسكر والشارع

السودان ومعادلة العسكر والشارع

 صوت الإمارات -

السودان ومعادلة العسكر والشارع

بقلم - خيرالله خيرالله

لدى السودان ما يكفي من المشاكل والأزمات الداخليّة، كي تعي الطبقة السياسيّة فيه انّ ثمّة حاجة إلى تفادي الوقوع في تجارب الماضي الممتد منذ استقلال البلد في العام 1956. كانت كلّ تلك التجارب خاسرة... هل من يريد ان يتعلّم منها بالفعل، ام تبقى المزايدات والأحلام الوردية، التي لا أساس لها، مهيمنة على المشهد السياسي؟

 يفترض في الطبقة السياسيّة السودانيّة الإبتعاد عن السلبيات والكلام الكبير الخالي من ايّ مضمون كي لا يتعرّض السودان إلى مزيد من الهزات وكي يتفادى مستقبلا مظلما. بكلام أوضح، هناك سؤال في غاية البساطة يختزل الأزمة العميقة التي يمر فيها السودان: هل في الإمكان كسر الحلقة المقفلة التي يدور فيها البلد؟

في النهاية، بعيدا عن الشعارات البراقة التي لا تعني شيئا على ارض الواقع، لا بديل من تعاون بين الطبقة السياسيّة من جهة والقيادة العسكريّة ممثله بعبدالفتاح البرهان وقائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو (حميدتي) من جهة أخرى. توجد حاجة إلى تعاون وتفاهم بين الجانبين، على ان يعرف كلّ منهما حدوده، من اجل الانتقال إلى مرحلة الخروج من الحلقة المقفلة في بلد يتهيأ فيه جماعة الديكتاتور عمر حسن البشير، بينهم جماعة الأخوان المسلمين، للانقضاض على السلطة مجددا. لا يستطيع العسكر حكم السودان وحدهم ولا يستطيع ممثلو الطبقة السياسيّة اخراج البلد من الحضيض الذي وجد نفسه فيه من دون غطاء العسكر. هذه حقيقة مؤلمة لا مفرّ من التعاطي معها.

سلّم المدنيون السلطة إلى العسكر في العام 1958 نتيجة فشلهم في إدارة السودان وتكريس قيام نظام ديموقراطي قائم على التعددية الحزبيّة. فشل السياسيون الذين اعتقدوا ان العسكر يمتلكون عصا سحريّة. بعد ست سنوات، وبعدما تأكد فشل العسكريين، نزل السودانيون إلى الشارع يصيحون "إلى الثكنات يا حشرات". عاد العسكر بقيادة الفريق إبراهيم عبود إلى الثكنات وتركوا الأحزاب تحكم مجددا. اثبتت الأحزاب فشلها مجددا وسهلت وصول جعفر نميري ومجموعة من الضباط إلى السلطة في العام 1969 في وقت كانت مجموعة من الضباط، على رأسها معمّر القذافي، تقلب النظام الملكي في ليبيا. منذ الإنقلاب على النظام الملكي في ليبيا، لم ير البلد يوما أبيض، تماما كما حصل في العراق عندما أطاحت مجموعة من الضباط الدمويين النظام الملكي في الرابع عشر من تموز – يوليو 1958.

تكفل النميري، الذي لم يكن يتمتع بأي ثقافة سياسية، بالقضاء على كلّ ما هو حضاري في السودان. انتقل من الناصريّة (نسبة إلى جمال عبدالناصر) إلى حليف للإخوان المسلمين وحسن الترابي. إنتهى نظامه بطريقة مخزية. رحل النميري وعاد المدنيون في العام 1985. لم يتمكن هؤلاء من صنع فارق، على العكس من ذلك، تدهور الوضع الاقتصادي في ظلّ فراغ سياسي وفساد سهّلا استيلاء عمر حسن البشير والإخوان المسلمين على السلطة في 1989. بقي البشير، بكل ما يمثله من تخلّف، يحكم السودان ثلاثة عقود. لم يتردّد في الإقدام على ايّ خطوة أو مغامرة من اجل البقاء في السلطة. اعتبر تقسيم السودان امرا طبيعيا. ذهب إلى التقسيم بصراحة ليس بعدها صراحة. قسّم السودان وتخلى عن جنوبه متى شعر انّ ذلك يشكّل ضمانة لبقائه في السلطة. كذلك لم يجد حرجا في ارتكاب مجازر في دارفور مستخدما ميليشيا الجنجويد في تعبير واضح عن مشاعر ذات طابع عنصري. اخرجه تحرك شعبي من السلطة في العام 2019، لكنّ ما لا مفرّ من الإعتراف به أنّ ذلك كان بدعم من عدد من كبار الضباط الذين تصرفوا بحكمة عندما رفضوا مجاراة عمر حسن البشير في قمع الشعب السوداني المنتفض. وفّر العسكر الحماية للمواطنين ووضعوا البشير في السجن. تفادوا حمّام دمّ كان البشير مستعدا له!

ما العمل الآن؟ العسكر عاجزون عن حكم السودان ولكن لا قرارات كبيرة يمكن اتخاذها من دون غطاء منهم. في المقابل، لم تستطع القوى السياسيّة إثبات قدرتها على معالجة أي مشكلة. حسنا، تريد هذه القوى عودة العسكر إلى الثكنات. تتجاهل أنّ السودان في العام 2022 ليس السودان في العام 1964. مشاكل البلد اكثر تعقيدا واتساعا في بلد يواجه أزمة اقتصادية عميقة وأزمة العلاقات الصعبة والمعقدة مع اثيوبيا. ليس صحيحا ان لا حاجة لدى الطبقة السياسية والقوى السياسية للعسكر. كذلك، ليس صحيحا ان العسكر في السودان يستطيعون الإستغناء عن الشارع السوداني والقوى التي تتحكم بالشارع. العسكر يكملون القوى السياسية التي تكمل بدورها العسكر. لا غنى لأي طرف من الطرفين عن الآخر. على سبيل المثال وليس الحصر، هل توجد قوّة سياسيّة معيّنة في السودان قادرة على التفاوض مع سياسي محنك ومراوغ من طينة رئيس الوزراء الإثيوبي أبيي احمد؟

التقى الفريق البرهان آبيي احمد، قبل ايّام، في نيروبي. في حال ترك الأمر للسياسيين أو ممثلي الأحزاب السودانية، لكان هؤلاء في حاجة إلى أسابيع او اشهر من اجل اتخاذ قرار بلقاء رئيس الوزراء السوداني او عدم لقائه... والعثور على شخصية تستطيع التفاوض معه.

يحتاج السودان في هذه المرحلة إلى من يتخذ قرارا. هناك قضايا مهمّة، بعضها مرتبط بالسياسة الخارجية وعلاقة السودان بمحيطه في حاجة إلى قرار حاسم. من الضروري العثور على صيغة تفاهم بين المدنيين والعسكر. سهّل البرهان ذلك في مداخلته الأخيرة التي ابدى فيها استعدادا لإبتعاد العسكر عن السياسة ولكن من دون غياب تام عن المشهد السوداني.

من الواضح انّ الضباط السودانيين ليسوا ملائكة، لكنّ الأكيد انّهم يدركون الحاجة إلى تغطية شعبية مصدرها الشارع. كيف العمل من اجل إيجاد معادلة تحمي السودان من طموحات العسكر وتحمي في الوقت ذاته العسكر من سذاجة الطبقة السياسية السودانية التي ترفض قراءة تاريخ البلد المهدد بانهيار اقتصادي، وهو تاريخ ممتد بين 1956 و2022؟

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

السودان ومعادلة العسكر والشارع السودان ومعادلة العسكر والشارع



GMT 02:30 2022 الأربعاء ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

السادة الرؤساء وسيدات الهامش

GMT 02:28 2022 الأربعاء ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

«وثائق» عن بعض أمراء المؤمنين (10)

GMT 02:27 2022 الأربعاء ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

من يفوز بالطالب: سوق العمل أم التخصص الأكاديمي؟

GMT 02:26 2022 الأربعاء ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

روبرت مالي: التغريدة التي تقول كل شيء

GMT 02:24 2022 الأربعاء ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

السعودية وفشل الضغوط الأميركية

GMT 22:24 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

نصائح سهلة للتخلص من الدهون خلال فصل الشتاء

GMT 17:02 2020 الثلاثاء ,01 كانون الأول / ديسمبر

احذر التدخل في شؤون الآخرين

GMT 14:09 2019 الثلاثاء ,02 إبريل / نيسان

تبدأ بالاستمتاع بشؤون صغيرة لم تلحظها في السابق

GMT 21:27 2019 الأحد ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

تتركز الاضواء على إنجازاتك ونوعية عطائك

GMT 17:31 2015 الخميس ,29 كانون الثاني / يناير

عملية قذف النساء أثناء العلاقة الجنسية تحير العلماء

GMT 04:40 2015 الثلاثاء ,31 آذار/ مارس

اختاري أفضل العطور في ليلة زفافكِ

GMT 00:04 2017 الأحد ,24 كانون الأول / ديسمبر

هدف ثالث لفريق برشلونة عن طريق فيدال

GMT 09:12 2017 الأربعاء ,06 كانون الأول / ديسمبر

لامبورجيني أوروس 2019 تنطلق بقوة 650 حصان ومواصفات آخرى مذهلة

GMT 20:46 2014 الخميس ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

"الكتاب" يوجه التحية إلى سلطان لرعايته معرض الشارقة

GMT 14:58 2016 الثلاثاء ,12 كانون الثاني / يناير

البصري يطالب "المركزي" العراقي بالحدّ من منح إجازات مصرفية

GMT 02:08 2016 السبت ,16 إبريل / نيسان

اختاري عطرك بحسب شخصيتك

GMT 10:38 2013 الإثنين ,28 تشرين الأول / أكتوبر

بروتوكول لإنشاء محطة لتحلية مياه البحر بقيمة 200 مليون جنيه

GMT 23:49 2017 الأربعاء ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

تتويج السوري عمر خريبين كأفضل لاعب في آسيا لعام 2017

GMT 11:51 2017 السبت ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

ماكرون يشيد بجهود شما المزروعي في دعم الشباب

GMT 03:12 2016 الأربعاء ,13 إبريل / نيسان

كعكات الموز والشوفان الصحية
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
emirates , emirates , Emirates