أوكرانيا حياة أو موت لحلف الأطلسي

أوكرانيا... حياة أو موت لحلف الأطلسي

أوكرانيا... حياة أو موت لحلف الأطلسي

 صوت الإمارات -

أوكرانيا حياة أو موت لحلف الأطلسي

بقلم: خير الله خير الله

بعد 75 عاماً على قيامه، يمر حلف شمال الأطلسي (ناتو) في تجربة مهمّة يتوقف عليها مصيره بصفة كونه تحالفاً عسكرياً للغرب في مواجهة أعدائه وكلّ ما يمثله من قيم خاصة به في هذا العالم.

اسم هذه التجربة، التي كانت محور القمة التي عقدها الحلف في واشنطن، هي التجربة الأوكرانيّة. ستكون أوكرانيا والدفاع عنها ومنعها من السقوط تحت الهيمنة الروسيّة مسألة حياة أو موت بالنسبة إلى الـ«ناتو».

في أوكرانيا، التي تتعرّض لهجوم روسي ذي طابع توسّعي فظّ يذكر بالنهج النازي لهتلر، سيكون على الأطلسي، بقيادة الولايات المتحدة، إثبات أنّه لا يزال موجوداً وفعّالاً وألا يرضخ لفلاديمير بوتين، وطموحاته وأوهامه.

في الواقع، تبدو الحاجة إلى تأقلم حلف الأطلسي مع تغيّرات كبيرة شهدها العالم، بما في ذلك عودة الحياة إلى الحرب الباردة بقيادة صينية.

تقود الصين الحرب الباردة الجديدة. توجه الصين الحرب الباردة الجديدة من خلف بعدما استغلت التورط الروسي في الحرب الأوكرانيّة التي بدأت في 24 فبراير 2022 أفضل استغلال وإلى أبعد حدود. من بين النتائج التي أفرزتها تلك الحرب سقوط روسيا في الحضن الصيني. بات استمرار الحرب متوقفاً على الصين التي تسمح لروسيا، بمشاركة إيرانيّة وكوريّة شمالية، بتجاوز العقوبات التي فرضها الغرب عليها من جهة والحصول على الأسلحة التي تحتاج إليها من جهة أخرى. يعيد بوتين حاليا بناء الجيش الروسي بفضل الصين وحلفاء الصين وبتغطية من اليمين الأوروبي الذي يتمتع بمقدار كبير من السذاجة في ما يخص الرئيس الروسي ومخططاته.

سيعتمد الكثير على ما إذا كانت القرارات التي اتخذتها قمة حلف الأطلسي التي انعقدت في واشنطن لدعم أوكرانيا ستوضع موضع التنفيذ، أم أنّ هذه القرارات، وهي حزمة مساعدات لأوكرانيا، ستبقى حبراً على ورق. أكثر من ذلك، سيتمكن بوتين، في غياب حلف الأطلسي، من فرض أمر واقع في البلد الجار الذي اجتاحه مستفيداً من الوضع الأميركي الداخلي والتردد الغربي والتشرذم الأوروبي. عمليّاً، سيعتمد الكثير على ما إذا كانت إدارة جو بايدن، التي هي في حال يرثى لها بسبب الوضع الخاص بالرئيس الأميركي، تستطيع ممارسة دور قيادي في هذا العالم المعقّد وأن تضع حدوداً للرئيس الروسي الذي يحلم يومياً باستعادة أمجاد غير موجودة هي أمجاد الاتحاد السوفياتي.

سيتوقف الأمر على مّا إذا كانت أميركا التي أنقذت أوروبا من النازية والتي ربحت الحرب الباردة، ستبقى أميركا. سيتبين في الأسابيع المقبلة هل ستتمكن إدارة بايدن، على الرغم من كلّ ما يعاني منه الرئيس الأميركي الحالي، ستتمكن من إنقاذ أوكرانيا وتمنع سقوطها.

لم يعد سرّاً أن الرئيس السابق دونالد ترامب، الذي باتت عودته إلى البيت الأبيض مرجّحة على استعداد لعقد صفقة مع بوتين. تتميّز سياسة ترامب، من خلال ما ظهر من السنوات الأربع التي أمضاها في البيت الأبيض بين مطلع 2017 ومطلع 2021 بنوع من الإزدواجية. كان ترامب واضحاً، في معظم الأحيان وليس في كلّها، في الموضوع الإيراني. لكنّه كان في غاية التساهل في كلّ ما له علاقة بفلاديمير بوتين.

ذهب إلى حدّ تمزيق الاتفاق النووي مع إيران الذي وقع صيف العام 2015 في عهد باراك أوباما. أعطى ترامب مطلع 2020 الأمر باغتيال قاسم سليماني، الذي يمكن اعتباره الشخصية المحوريّة في المشروع التوسّعي الإيراني. ترامب نفسه لا يؤمن بحلف شمال الأطلسي الذي يشكل حجر الزاوية في الدفاع عن الغرب والذي يفترض أن يقف صراحة بكل صلابة في وجه سقوط أوكرانيا الدولة الأوروبيّة المحوريّة.

تبدو المسألة مسألة وقت ليس إلّا. تتمثل الخدمة الوحيدة التي لا يزال في استطاعة جو بايدن، تأديتها للعالم، قبل نهاية ولايته ودخول ترامب إلى البيت الأبيض مجدداً مطلع العام 2025، في إنقاذ أوكرانيا. يعني إنقاذ أوكرانيا الكثير. إنّه إنقاذ لحلف شمال الأطلسي أوّلاً. كان هذا الحلف من الأدوات التي استخدمت من أجل إسقاط الاتحاد السوفياتي الذي كان بالفعل «إمبراطوريّة الشر» على حد تعبير الرئيس الراحل رونالد ريغان، في خطاب ألقاه في صيف العام 1983.

لو لم يسقط الاتحاد السوفياتي لكانت دول أوروبيّة عدة، هي المانيا الشرقية وبولندا وهنغاريا ورومانيا وبلغاريا وتشيكوسلوفاكيا (صارت تشيكيا وسلوفاكيا)، فضلاً عن دول البلطيق الثلاث، لا تزال إلى يومنا هذا تعيش تحت الهيمنة السوفياتية. كذلك، لولا سقوط الاتحاد السوفياتي، لما كانت ألمانيا توحدت يوماً ولما عادت تلعب دورها على الصعيدين الأوروبي والدولي.

سيعني سقوط أوكرانيا الكثير، خصوصاً في غياب سياسة أوروبيّة موحدة تضع في رأس أولوياتها كيفية مواجهة روسيا – فلاديمير بوتين. في غياب الموقف الواضح من غزو أوكرانيا، لن تعود أوروبا قادرة على التماسك بأي شكل. ثمة سباق مع الوقت وذلك قبل عودة ترامب إلى البيت الأبيض. يفصل عن تلك العودة أقلّ من ستة أشهر. سيظهر في الأشهر القليلة المقبلة ما إذا كانت الصين ستنجح في إخضاع أوروبا عبر الحلف الذي أقامته مع روسيا. يعود ذلك إلى أن سقوط أوكرانيا في يد روسيا، أي في يد الصين سيعني أنّ كلّ دولة أوروبيّة ستصبح مهددة. دول البلطيق الثلاث أولاً (لاتفيا وإستونيا وليتوانيا) وبولندا في حين ستندم هنغاريا طويلاً على لعب رئيس حصان طروادة في خدمة فلاديمير بوتين، عبر رئيس الوزراء فكتور أوربان، الذي التقى دونالد ترامب في فلوريدا قبل أيام قليلة.

لا يزال حلف شمال الأطلسي ضرورة. يبدو مستقبل الحلف الذي عايش الحرب الباردة في مرحلة ما بعد الحرب العالمية الثانية وسيطرة الاتحاد السوفياتي على قسم من أوروبا حتى خريف 1989، لدى سقوط جدار برلين، مهددا بالفعل. في ظلّ الحرب الباردة الجديدة، التي تقودها الصين بحذاقة كبيرة، يواجه الحلف تجربة أوكرانيا. هل يسقط الحلف في أوكرانيا... أم يكون إنقاذ أوكرانيا حياة جديدة له؟

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

أوكرانيا حياة أو موت لحلف الأطلسي أوكرانيا حياة أو موت لحلف الأطلسي



GMT 05:45 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

يتفقد أعلى القمم

GMT 05:44 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

سوريا و«تكويعة» أم كلثوم

GMT 05:43 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

تحولات البعث السوري بين 1963 و2024

GMT 05:42 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الهروب من سؤال المصير

GMT 05:42 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الهروب من سؤال المصير

GMT 05:42 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

سوريا والنظام العربي المقبل

GMT 05:41 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

جنبلاط وإزالة الحواجز إلى قصرَين

GMT 05:41 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

2024... سنة كسر عظم المقاومة والممانعة

GMT 20:41 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

الإمارات تدين عملية الدهس التي وقعت في سوق بألمانيا
 صوت الإمارات - الإمارات تدين عملية الدهس التي وقعت في سوق بألمانيا

GMT 20:34 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

ابنة أصالة نصري تتحدث عن معاناة عائلتها في ظل حكم الأسد
 صوت الإمارات - ابنة أصالة نصري تتحدث عن معاناة عائلتها في ظل حكم الأسد

GMT 22:24 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

نصائح سهلة للتخلص من الدهون خلال فصل الشتاء

GMT 21:01 2017 الأحد ,01 تشرين الأول / أكتوبر

أسعار السجائر في الإمارات بعد تطبيق الضريبة الانتقائية

GMT 12:14 2020 الإثنين ,30 تشرين الثاني / نوفمبر

حظك اليوم برج الثور الأثنين 30 تشرين الثاني / نوفمبر2020

GMT 07:44 2019 الجمعة ,06 كانون الأول / ديسمبر

تامر حسني يعلن موعد عرض فيلم "الفلوس"

GMT 12:06 2018 السبت ,13 تشرين الأول / أكتوبر

دندن يبحث سبل تعزيز التعاون مع جمعية الشارقة الخيرية

GMT 16:46 2016 الثلاثاء ,09 شباط / فبراير

تخفيض دائم على سعر جوال "OnePlus 2" إلى 349 دولار

GMT 08:23 2016 الأربعاء ,27 كانون الثاني / يناير

توزيع جوائز القصة القصيرة بالتعاون مع مؤسسة "بتانة" الثقافية

GMT 11:42 2015 الخميس ,12 تشرين الثاني / نوفمبر

المصممون يضعوا لمسة "الأهداب" الأنيقة لأحذية الرقبة

GMT 23:56 2015 السبت ,11 تموز / يوليو

الأمطار تغرق المناطق المنخفضة في روالبندي

GMT 07:31 2013 الإثنين ,23 أيلول / سبتمبر

"THQ" تُقرر عدم إصدار لعبة "Avengers"

GMT 09:19 2017 السبت ,16 كانون الأول / ديسمبر

واريورز ينتصر على دالاس مافريكس في دوري السلة الأميركي

GMT 08:25 2015 السبت ,14 شباط / فبراير

ظهور ضوء مبهر وصوت هائل في سماء نيوزيلندا

GMT 10:51 2017 السبت ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

أمل رزق تستعد للمشاركة في مسلسل "للحب فرصة أخيرة"
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
emirates , emirates , Emirates