كان يمكن للخامس من حزيران – يونيو 1967 ان يكون ذكرى عربية أخرى مؤلمة لولا ان آثار حرب الايّام الستّة ما زالت تتحكّم بالشرق الأوسط الى اليوم. لا تزال الضفة الغربية محتلّة، هي والقدس الشرقية. لا تزال إسرائيل في الجولان. يبدو انّها باقية هناك الى ما لا نهاية.
الأكيد انّه جاء ما يطغى على هزيمة 1967 وطعمها عندما سقط العراق في ربيع العام 2003. ما حصل في العراق في 2003 يفوق بكثير، من ناحية الاهمّية والنتائج، ما حصل في 1967. هذا عائد الى سبب في غاية البساطة. يتمثّل هذا السبب في ان العراق كان احد الاعمدة الأساسية التي قام عليها النظام الإقليمي والتوازن في المنطقة. سقط العراق وسقطت معه المنطقة. هذا ليس دفاعا عن نظام عراقي لم يكن على علم بما يدور في المنطقة والعالم، بل هو امر مرتبط بالواقع السياسي والجغرافي وتسليم الولايات المتحدة العراق على صحن من فضّة الى "الجمهورية الإسلامية" في ايران. حصلت عملية التسليم مع العلم المسبق بالمشروع التوسّعي ذي الطابع المذهبي الذي تؤمن به ايران والذي يشكّل خط الدفاع الاوّل عن نظامها القائم على الهروب المستمرّ الى خارج الحدود، خصوصا في اتجاه المحيط العربي.
في هذا الاطار العام، تحلّ اليوم بالذات الذكرى الـ 53 لحرب 1967. كانت الذكرى ذكرى حرب خاطفة تسبّب بها النظام البعثي في سوريا حيث كان الضابط العلوي صلاح جديد الرجل القوي وحيث كان الضابط العلوي الآخر حافظ الأسد وزيرا للدفاع. كان في مصر جمال عبدالناصر، الضابط ذو الثقافة المتواضعة، الذي لم يقدّر خطورة دخول مغامرة التصعيد مع إسرائيل بتأثير من النظام السوري. كانت تحكم سوريا مجموعة من المتهوّرين باستثناء حافظ الأسد الذي كانت لديه حسابات خاصة به استطاع تصفيتها مع خصومه في 16 تشرين الثاني – نوفمبر من العام 1970.
امّا الأردن، حيث كان الملك حسين، فقد وجد العاهل الأردني نفسه مغلوبا على امره. لم يجد امامه من خيار آخر سوى خيار الدخول في حرب كان يعرف انّها خاسرة سلفا. بين خوض الحرب والبقاء متفرّجا، مع كلّ ما في ذلك من مخاطر على العرش الهاشمي بسبب الموجة الناصرية التي اسقطت الهاشميين في العراق في العام 1958، اختار الملك حسين الحرب. اختارها من دون ان يكون مقتنعا بها. خسر الضفّة الغربية والقدس الشرقية.
كان لبنان البلد الوحيد الذي لديه حدود مع فلسطين وقرّر عدم دخول الحرب. امتلك رئيس الجمهورية شارل حلو، الرجل المثقّف، ما يكفي من الحكمة كي يقف في وجه المزايدات والمزايدين داخل لبنان وفي محيطه. انقذ لبنان من دون ان ينقذه. لم يخسر لبنان ايّ ارض.
تعلّم الآخرون الذي خسروا ارضهم من الحرب، فيما لم يتعلّم لبنان الذي حافظ على ارضه شيئا. على العكس من ذلك، استمرّت حرب 1967 من خلال لبنان الذي لم ينج أيضا من الحرب الأميركية على العراق وذيولها التي أدت بين ما ادّت اليه الى اغتيال رفيق الحريري في 14 شباط – فبراير 2005 كخطوة على طريق الوصول بالبلد الى ما وصل اليه في السنة 2020.
استطاعت مصر في عهد أنور السادات استعادة ارضها المحتلة في 1967. رأى النظام الاقلّوي السوري ان احتفاظ إسرائيل بالجولان اكثر فائدة له من استعادته. امّا الأردن، فقد اكتشف باكرا ان إسرائيل لا تنوي التخلي يوما عن القدس وانّها تريد الاحتفاظ بأكبر مساحة ممكنة من الضفّة الغربية. ساعدها في ذلك الى حد كبير قرار القمّة العربية للعام 1974 الذي جعل من منظمة التحرير الفلسطينية "الممثل الشرعي الوحيد للشعب الفلسطيني". انتزع القرار عمليا من الأردن القدرة على التفاوض من اجل استعادة الضفة الغربية والقدس اللتين كانتا تحت سيادته لدى احتلالهما واللتين ينطبق عليهما قرار مجلس الامن الرقم 242. تأقلم الأردن مع الوضع الجديد وصولا الى توقيع اتفاق سلام مع إسرائيل في العام 1994، بعد 15 عاما من معاهدة السلام المصرية – الإسرائيلية. فعل ذلك من اجل من اجل الحصول على اعتراف نهائي بحدود المملكة الأردنية الهاشمية والاحتفاظ بحقوقه في الأرض والمياه.
بعد 53 عاما على حرب الأيام الستّة، لا تزال أسئلة كثيرة من دون أجوبة في وقت تسعى إسرائيل الى ضم أجزاء من الضفّة الغربية واتخاذ خطوات يمكن ان تسيء مباشرة الى امن الأردن. من بين الأسئلة التي لا تزال تحتاج الى أجوبة لماذا زايد النظام في سوريا على مصر وخلق الأجواء التي هيأت لاحقا للحرب التي لم يكن جمال عبدالناصر يدري انّه لا يستطيع كسبها؟
كذلك، على الرغم من كلّ الروايات المنشورة والمتداولة والمتناقضة، لماذا لم يبذل الاتحاد السوفياتي جهودا اكبر لكبح النظام السوري وافهام عبدالناصر، وقتذاك، انّ مصر غير مؤهّلة لخوض حرب مع إسرائيل؟
كان الاتحاد السوفياتي يعرف تماما ما هي موازين القوى السائدة وكانت لديه معلومات دقيقة عن الجيشين المصري والإسرائيلي. ما الذي منعه من الضغط على عبدالناصر كي يهدأ قليلا بدل السقوط في مزايدات البعث السوري ويسارييه الذين كانوا يعتقدون ان المحافظة على النظام اهمّ بكثير من خسارة الأرض، أي الجولان تحديدا؟
يبقى السؤال الأكبر لماذا استلحق لبنان نفسه لدخول عصر الهزيمة من بوابة اتفاق القاهرة في 1969... وصولا الى اعتماد شعار "الشعب والجيش والمقاومة" الذي بات "حزب الله" يسمّيه "الثلاثية الماسية"؟
انّه بالفعل سؤال محيّر. قد يكون الجواب الوحيد عن هذا السؤال غياب القيادة السياسية اللبنانية القادرة على فهم ما يدور في المنطقة والعالم. هذا العجز يفسّر الى حدّ كبير اللغة الخشبية التي يستخدمها رئيس الجمهورية ميشال عون او رئيس مجلس الوزراء حسّان دياب عندما يتحدّثان عن القرار الرقم 1701 الصادر عن مجلس الامن صيف العام 2006. نعم، ان إسرائيل تخرق هذا القرار. ولكن ماذا عن لبنان وسلاح "حزب الله وانتشاره؟ اليس لدى أي مسؤول لبناني الوقت الكافي لقراءة نص القرار 1701 ومعنى وجود القوّة الدولية في جنوب لبنان؟
يطالب لبنان بالتمديد سنة لهذه القوّة ابتداء من 31 آب – أغسطس المقبل في ظل تعقيدات إقليمية ودولية ودعوات الى إعادة النظر بدور القوّة في ظلّ كلّ ارتكابات "حزب الله" المخالفة للقرار 1701. حسنا، لا يريد لبنان ان يتعلّم من اهمّية مواجهة الحقيقة والواقع ومن دروس حرب 1967. ولكن لماذا هذا الإصرار على ان يضحك على نفسه؟ انّه بالفعل وضع مبك. وضع من يستخدم غربالا ليحجب نور الشمس!