متى يدفع بوتين الثمن

متى يدفع بوتين الثمن؟

متى يدفع بوتين الثمن؟

 صوت الإمارات -

متى يدفع بوتين الثمن

بقلم - خيرالله خيرالله

أراد فلاديمير بوتين جعل أوروبا على نسق فنلندا. إذا به يجعل من أوروبا كلها اطلسية، أي منتمية إلى حلف شمال الأطلسي (ناتو)، وهو حلف دفاعي قبل ايّ شيء آخر، خلافا لما يقول بعض الجهلة الذين لا يدركون شيئا عن طبيعته وعن ظروف قيامه في مرحلة ما بعد الحرب العالميّة الثانيّة.

كان "تحوّل أوروبا كلّها إلى اطلسيّة" من بين الملاحظات الذكيّة النادرة للرئيس جو بايدن على هامش القمّة التي انعقدت في مدريد وشارك فيها رؤساء الدول المنتمية إلى الحلف الأطلسي، بمن في ذلك الرئيس التركي رجب طيّب اردوغان. كشفت القمّة وجود حلف غربي واسع اتخذ قرارا بمواجهة الرئيس الروسي الذي يتبيّن في كلّ يوم انّه يجهل العالم. يجهل العالم إلى درجة أنّه لم يدرك معنى سحب اردوغان اعتراضه على انضمام كل من فنلندا والسويد إلى الحلف الأطلسي في خروج عن السياسة التقليدية لبلدين فضلا دائما البقاء خارج التجاذبات الدولية. بقيت فنلندا والسويد خارج هذه التجاذبات طوال الحرب الباردة بين 1945 وبداية العام 1992 تاريخ الإعلان رسميا عن تفكيك الإتحاد السوفياتي... ونهايته السعيدة بكلّ ما كان يمثلّه من احتقار لحقوق الإنسان وتدخل فظّ في دعم الديكتاتوريين في العالم!

في كلّ يوم يمرّ، يتأكّد كم يشبه فلاديمير بوتين صدّام حسين الذي كان يجهل ما هي المنطقة وما هو العالم وما طبيعة التوازنات فيه. ذهب صدّام إلى احتلال الكويت، البلد المستقلّ الجار في العام 1990، غير مدرك للنتائج التي ستترتّب على مغامرته المجنونة ومعنى الإستيلاء على دولة نفطية لها مكانتها في مجال الطاقة في العالم. لم يع في أي وقت خطورة ما اقدم عليه ولماذا توحّدت المنطقة والعالم في وجهه. 

ما ينطبق على الرئيس العراقي الراحل، ينطبق أيضا على الرئيس الروسي الذي لم يفرّق بين شنّ حرب على أوكرانيا وبين التدخل عسكريا في سوريا في العام 2015 لأثبات ان روسيا صارت تمتلك موقعا في المياه الدافئة، في اللاذقية وطرطوس. لم يفرّق بوتين بين التدخل في سوريا، خدمة لإيران، وبين غزو أوكرانيا الذي يشير إلى نقل الحرب إلى داخل أوروبا. كان يعتقد انّ العالم سيرضخ لروسيا بمجرّد تهديده باستخدام السلاح النووي. نسي انّ آخرين، بمن في ذلك اميركا وبريطانيا وفرنسا يمتلكون هذا السلاح الذي كان يرمز إلى "توازن الرعب" في ايّام الحرب الباردة.

لم تعد هناك فائدة من التهديد بالسلاح النووي بعد دخول الحرب الأوكرانيّة شهرها الخامس. صار على الجيش الروسي استخدام كلّ ما لديه من أسلحة دمار كي يثبت انّه قادر على احتلال جزء من أوكرانيا. في المقابل، هناك عالم غربي ينظّم نفسه ويرتب أوضاعه كي لا تعود لديه أي علاقة من أي نوع بروسيا ما دام على رأسها فلاديمير بوتين.

ثمة دلائل عدّة تعطي فكرة عن مدى الإستعداد الغربي للذهاب بعيدا في الطلاق التام مع روسيا. هناك قبل كلّ شيء الإنقلاب الذي حصل في المانيا التي قررت ان تعيد الإعتبار لجيشها والإستغناء نهائيّا عن الغاز والنفط الروسيين. هذا تطوّر لا سابق له منذ العام 1945 بعد اعتراف المانيا بهزيمتها في الحرب العالميّة الثانيّة وقبول أن تكون هناك قوات وقواعد اميركيّة وبريطانيّة وفرنسيّة في أراضيها بشكل دائم. قررت المانيا الإستفادة من وجود الجيش الأميركي في أراضيها والعمل في الوقت ذاته على إعادة بناء جيشها. المانيا توحدت بعد سقوط جدار برلين في العام 1989 وهي تخلصت، بفضل فلاديمير بوتين وما اقدم عليه في أوكرانيا، من القيود التي كانت تحول دون تسلّحها وبناء جيش كبير متطور خاص بها.

في ضوء حرب أوكرانيا، هناك قرار أميركي بتعزيز الوجود العسكري في أوروبا. سيصل عدد الجنود والضباط الأميركيين إلى مئة الف موزّعين على اسبانيا وبولندا ورومانيا ودول البلطيق الثلاث (ليتوانيا ولاتفيا واستونيا) وبريطانيا وألمانيا وإيطاليا.

قرأ الرئيس التركي الذي يعاني بلده من ازمة اقتصاديّة عميقة بسبب قصر نظره واعتناقه افكار تنظيم الإخوان المسلمين، بكلّ تخلّفها، طبيعة التغيرات التي يشهدها العالم بشكل جيّد ودقيق. لم يكتف بإعادة مدّ الجسور مع دول المنطقة، خصوصا المملكة العربيّة السعوديّة ودولة الإمارات العربيّة المتّحدة، بل ذهب إلى ابعد من ذلك عندما أعاد الدفء إلى علاقات تركيا بإسرائيل. إضافة إلى ذلك، لم يتردد في السعي إلى علاقات افضل مع مصر.

ليست التصرفات الأخيرة للرئيس التركي سوى دليل على انّه تغيّر في العمق. لن يتمكن بعد الآن في الرهان على فلاديمير بوتين من اجل ابتزاز اميركا وأوروبا. اكتشف متأخّرا ان لا فائدة تذكر من منظومة صواريخ "إس – 400" التي اشتراها من روسيا. وجد اردوغان صيغة تنقذ ماء الوجه تمهيدا لسحب اعتراضه على انضمام فنلندا والسويد لحلف الأطلسي.

سيعيد الغرب تنظيم صفوفه، بما في ذلك البحث عن خطط اكثر فعاليّة لمواجهة الصين. طوى الغرب ملفّ فلاديمير بوتين. لن يكون ممكنا التعاطي معه بعد الآن. عندما لا يعود شخص من طينة رجب طيب اردوغان لا يخشى فلاديمير بوتين، معنى ذلك ان الرئيس الروسي صار منبوذا، تماما كما حصل مع صدّام حسين عندما قرّر اجتياح الكويت... وصولا إلى إخراجه منها.

يرفض الرئيس الروسي الإعتراف بانّ هناك ثمنا عليه دفعه وأنّ عليه الرحيل اليوم قبل غد ولكن ما العمل مع سياسي مريض لا يعرف شيئا عن العالم وموازين القوى فيه وما خطورة الدخول إلى أوكرانيا بحجة منعها من الإنضمام إلى حلف شمال الأطلسي؟ متى يدفع فلاديمير بوتين الثمن بعد تحوّل الحرب الأوكرانيّة إلى حرب استنزاف لبلد مثل روسيا يقلّ حجم اقتصاده عن حجم الاقتصاد الإيطالي على الرغم من كلّ ما يملكه من نفط وغاز وثروات طبيعيّة أخرى؟

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

متى يدفع بوتين الثمن متى يدفع بوتين الثمن



GMT 02:30 2022 الأربعاء ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

السادة الرؤساء وسيدات الهامش

GMT 02:28 2022 الأربعاء ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

«وثائق» عن بعض أمراء المؤمنين (10)

GMT 02:27 2022 الأربعاء ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

من يفوز بالطالب: سوق العمل أم التخصص الأكاديمي؟

GMT 02:26 2022 الأربعاء ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

روبرت مالي: التغريدة التي تقول كل شيء

GMT 02:24 2022 الأربعاء ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

السعودية وفشل الضغوط الأميركية

GMT 22:24 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

نصائح سهلة للتخلص من الدهون خلال فصل الشتاء

GMT 19:32 2020 السبت ,31 تشرين الأول / أكتوبر

حظك اليوم برج القوس السبت 31 تشرين أول / أكتوبر 2020

GMT 11:44 2019 الإثنين ,01 تموز / يوليو

تنتظرك أمور حزينة خلال هذا الشهر

GMT 00:07 2019 الثلاثاء ,15 تشرين الأول / أكتوبر

تعرفي على أحدث صيحات حفلات الزفاف في ربيع 2020

GMT 16:16 2019 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

إطلالات مميزة بالملابس المنقطّة تناسب الحجاب

GMT 19:49 2016 السبت ,23 كانون الثاني / يناير

أبل تقر بمشكلة في هواتف "آي فون 6 إس"

GMT 21:36 2017 الخميس ,05 كانون الثاني / يناير

الشيخ سعود بن صقر القاسمي يستقبل القنصل الكندي

GMT 18:59 2017 الأربعاء ,08 تشرين الثاني / نوفمبر

ميلانيا ترامب تشجّع النساء على القيام بالأنشطة الرياضية

GMT 21:47 2020 الخميس ,13 شباط / فبراير

موديلات عباية مخصّرة تفضلها النجمات

GMT 08:04 2019 الإثنين ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

"نينتندو" تطلق لعبة "Mario Kart Tour" رسمياً لمنصتي "أندرويد" و"iOS"

GMT 02:24 2019 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

9 أسباب تجعلك تشرب حليب القرفة كل ليلة قبل النوم

GMT 19:53 2019 الثلاثاء ,03 أيلول / سبتمبر

أسعار الذهب في لبنان اليوم الثلاثاء 3 سبتمبر 2019
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
emirates , emirates , Emirates