بورقيبة الحاضر بعد ثلاثين سنة

بورقيبة الحاضر بعد ثلاثين سنة

بورقيبة الحاضر بعد ثلاثين سنة

 صوت الإمارات -

بورقيبة الحاضر بعد ثلاثين سنة

بقلم : خير الله خير الله

قبل ثلاثين عاما، في مثل هذه الأيام من العام 1987، أزاح زين العابدين بن علي الحبيب بورقيبة وحل مكانه. كان أوّل ما فعله السعي إلى التخلص من إرث بورقيبة. بعد ثلاثين عاما، لا يزال شبح بورقيبة مهيمنا على تونس. لولا بورقيبة، لما كانت تونس استطاعت الصمود واستعادة بعض من روحها في مرحلة ما بعد سقوط بن علي إثر “ثورة الياسمين” التي كانت ثورة شعبية حقيقية بالفعل.

نعم، أنقذ بورقيبة تونس وإن من القبر الذي يرقد فيه. لم يجد الرئيس التونسي الحالي الباجي قائد السبسي، غير “المجاهد الأكبر” والخطوط العريضة لتوجهاته السياسية يستعين به كي يحكم تونس ويعيد إلى التونسيين بعض الأمل من خلال ما كان يسمّيه بورقيبة نشر “هيبة الدولة”.

لا شكّ أنّ تقدّم الباجي قائد السبسي في السنّ، إذ سيبلغ الواحدة والتسعين في التاسع والعشرين من الشهر الجاري، يمكن أن يساعده في اتخاذ قرار يقضي بصنع الفارق بالنسبة إلى مستقبل تونس. هذا معناه أن ينجح حيث أخفق بورقيبة وبن علي. يبدو أن نجاح من يسميه التونسيون “سي الباجي” ما سيصنع مستقبل تونس وسيؤكد أن “الربيع العربي” لم يكن كله خريفا.

يعني مثل هذا الكلام أن يبدأ الرئيس التونسي الذي عرف كيف يعيد بناء مؤسسات الدولة، معتمدا على الخطوط العريضة التي رسمها بورقيبة، التهيئة لانتخابات جديدة بعد عامين من الآن، أي حين يحل موعد نهاية ولايته. ارتكب بورقيبة خطأ تعديل الدستور وتسمية نفسه “رئيسا مدى الحياة”، في حين ظنّ بن علي أنّ لا حاجة إلى أن يحلم التونسيون بالتغيير يوما ما دام هو على قيد الحياة. وإذا حلموا يوما، فإنّ “السيدة الأولى” ليلى الطرابلسي على أتم الاستعداد لتلبية المطلوب وشغل موقع رئيس الدولة.

سيكون في استطاعة الباجي في حال نجاحه بالإعداد لمرحلة ما بعد انتهاء ولايته القول إنّه أدّى واجبه تجاه تونس عندما وضع القطار على السكّة الصحيحة.

قدّم “سي البـاجي” لتونس خـدمات كبيرة. تصدّى لحركة “النهضة” ومنعها من احتكار السلطة وخطف الثورة الشعبية، كما حاول أن يفعل الإخوان المسلمون في مصر واليمن وحتّى في الأردن. في الواقع، شكّل الرجل رمزا لتونس الرافضة للعودة إلى خلف. حافـظ على كلّ إيجابيات تركة بورقيبة. سمح له ذلك باستعادة “هيبة الدولة” نسبيا وتأكيد أن تونس دولة مؤسسات أوّلا.

في حال تمكن من إعادة بسط الأمن في كل المناطق التونسية، وفي حال استطاعت حكومة يوسف الشاهد تـأدية مهماتها بطريقة إيجابية، سيكون هناك أمل حقيقي في عودة النمو إلى الاقتصاد التونسي الذي يحتاج أول ما يحتاج إلى استثمارات أجنبية. مثل هذه الاستثمارات ستعيد من دون شك عجلة الاقتصاد إلى الدوران بشكل طبيعي، وستفسح المجال أمام خلق فرص عمل أمام الشبّان خريجي الجامعات والمعاهد الفنية.

هناك عوامل عدّة يمكن أن تساعد الباجي في إنجاح التجربة التي تمرّ بها تونس. فبعد ست سنوات على مغادرة بن علي البلد، لم تحصل عملية تدمير مبرمجة لمؤسسات الدولة، على غرار ما سعى إليه الإخوان في مصر والإخوان والحوثيون (أنصار الله) في اليمن.

احترم بن علي رغبة التونسيين في التخلص منه ومن نظامه. رحل بهدوء بعدما أدرك، على العكس من بشّار الأسد، أن الدم لن يبقيه في السلطة وأنّ العنف لا يمكن أن يجرّ سوى إلى مزيد من العنف. يمكن القول أن طريقة مغادرة بن علي لتونس ساعدت في المحافظة، قدر الإمكان، على مؤسسات الدولة. الأهمّ من ذلك كله، أن لا عقدة حاليا تجاه الاستعانة برجال خدموا في عهده ولم يتلوثوا بالفساد.

لا يمكن إلا الاعتراف بأنّ الباجي قائد السبسي كان في مرحلة ما بعد “ثورة الياسمين” خط الدفاع الأول عن تونس وعن مبادئ الجمهورية التي أسسها الحبيب بورقيبة. لا بد من الاعتراف أيضا بأن ما مكنه من الصمود هو المجتمع التونسي نفسه الذي واجه قوى الظلام. فالمرأة التونسية لعبت دورها على أكمل وجه في المحافظة على المكاسب التي حقّقتها بفضل بورقيبة. عزز الباجي قائد السبسي وضع المرأة عن طريق ثورتين الأولى السماح لها بالزواج من غير مسلم، والأخرى المساواة في الإرث. لم يستطع بورقيبة نفسه الإقدام على هاتين الثورتين، على الرغم من كل الجرأة التي امتلكها.

جاء الآن دور بناء الجمهورية الثانية. ثمّة مجال لدور “القائد المؤسس”. هل سيتمكن “سي الباجي” من لعب هذا الدور الذي سيكمل الجانب الإيجابي في تجربتي بورقيبة وبن علي اللذين حكما تونس ما مجموعه خمسة وخمسين عاما؟

الكثير سيعتمد على مدى اقتناعه بأنّ عليه العودة إلى منزله في لحظة ما، لحظة يكتشف فيها أنّه أدّى واجبه تجاه البلد وأنّ لا شيء اسمه الرئاسة مدى الحياة. هل يساعده المحيطون به في اتخاذ مثل هذا القرار الجريء متى دعت الحاجة إليه؟ قد يحصل ذلك نظرا إلى أن خيارات الرئيس التونسي وقعت على رجال يمتلكون، في أكثريتهم طبعا، حدّا أدنى من النضج السياسي. علما أن ثمّة من يقول إنّه ما زال يحلم بالتوريث وأن نجله حافظ جاهز لذلك. لو لم تكن لديه مثل هذه النيّات لما صار السبسي الابن مسؤولا عن حزب “نداء تونس” الذي تأسس قبل خمس سنوات وأوصل “سي الباجي” إلى الرئاسة. كلّف الخوف من التوريث “نداء تونس” الكثير حتّى الآن. يكفي أنه جعله يخسر أكثريته في مجلس النوّاب. من دون الهالة التي يتمتع بها “سي الباجي” لما كانت الرئاسة استطاعت لعب الدور الذي تؤديه في هذه الأيام.

بعد ثلاثين عاما، تفتقد تونس بورقيبة وتتذكّر بن علي أيضا. هناك كثيرون ينصفون الأخير رغم سوء السنوات الأخيرة من عهده. تطور الاقتصاد في عهد بن علي الذي امتد أقل بقليل من ربع قرن. توسّعت الطبقة المتوسطة. لكنّه لم يستطع التأسيس لنظام قابل للحياة، خصوصا أنه قضى على كلّ سياسي كان يمكن أن يلعب دورا على الصعيد الوطني وذلك خدمة لطموحاته الرئاسية. لم يكن يقبل بأن يكون المحيطون به أكثر من موظفين… أو رجال شرطة في مخفر يقع في أحد أحياء العاصمة.

تفادت تونس الكارثة، على الرغم من كلّ العمليات الإرهابية التي استهدفتها. أعاد لها الباجي قائد السبسي الكثير. هل يؤسس لنظام جديد يجري فيه تداول للسلطة على نحو طبيعي في بلد استطاع حتّى الآن مقاومة الإخوان المسلمين ومناوراتهم؟ هؤلاء يسعون هذه الأيام إلى جعل “حزب النهضة” يظهر في مظهر الحزب المدني القادر على أن يرث بدوره فكر بورقيبة في مرحلة ما بعد “سي الباجي”. هذا ما يفسّر إلى حد كبير سكوت النهضة عن ثورتي رئيس الجمهورية في شأن وراثة المرأة وزواج التونسية من غير مسلم. لا يزال خطر الإخوان تحت الرماد. لذلك سيكون مهما لمستقبل تونس تفادي رئيس للجمهورية تجاوز التسعين السقوط في تجربتي الرجلين اللذين حكما تونس ما يزيد بخمس سنوات على نصف قرن من تاريخها.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

بورقيبة الحاضر بعد ثلاثين سنة بورقيبة الحاضر بعد ثلاثين سنة



GMT 19:41 2021 الأربعاء ,27 تشرين الأول / أكتوبر

أزمات إقليمية جديدة

GMT 19:23 2021 الأربعاء ,27 تشرين الأول / أكتوبر

قيصر روسيا... غمزات من فالداي

GMT 19:19 2021 الأربعاء ,27 تشرين الأول / أكتوبر

المفهوم الايراني للانتخابات... والعراق ولبنان

GMT 19:14 2021 الأربعاء ,27 تشرين الأول / أكتوبر

رسالة مناخية ملهمة للعالم

GMT 23:17 2021 الخميس ,10 حزيران / يونيو

ظهورُ الشيوعيّةِ في لبنان

GMT 19:13 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر

GMT 07:15 2015 الأربعاء ,25 شباط / فبراير

تنحي برلماني بريطاني بارز بسبب فضيحة رشوة

GMT 08:26 2013 الثلاثاء ,12 شباط / فبراير

"قيامة" مجموعة روائية تتناول علاقة العلم بالإيمان

GMT 21:24 2017 الأحد ,05 تشرين الثاني / نوفمبر

سلافة معمار مثيرة في أحدث جلسة تصوير بعدسة بو منصور

GMT 14:49 2019 الأحد ,08 كانون الأول / ديسمبر

6 نصائح من خبراء الديكور لغرف نوم مميزة لأطفالك التوأم

GMT 05:00 2019 الإثنين ,15 تموز / يوليو

بان كيك بالشوكولاتة

GMT 23:03 2019 الثلاثاء ,26 شباط / فبراير

الأهلي يواجه طلائع الجيش في دوري سوبر السلة

GMT 08:28 2018 الخميس ,27 كانون الأول / ديسمبر

موديلات بليزر مخطط لإطلالة نحيفة للمحجبات في موسم الشتاء

GMT 00:51 2016 السبت ,13 شباط / فبراير

Tiffany & Co تحمل هدايا يوم الحب لكِ
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
emirates , emirates , Emirates