الصناديق جاءت بالاسلاميين والصناديق اخرجتهم

الصناديق جاءت بالاسلاميين.. والصناديق اخرجتهم

الصناديق جاءت بالاسلاميين.. والصناديق اخرجتهم

 صوت الإمارات -

الصناديق جاءت بالاسلاميين والصناديق اخرجتهم

خير الله خير الله
بقلم : خير الله خير الله

يمكن النظر الى نتائج الانتخابات المغربيّة من زوايا مختلفة. بين هذه الزوايا انّ المغرب، في ضوء كونه دولة قويّة قديمة ذات مؤسسات راسخة لم يخش التعاطي مع الإسلام السياسي. امتلك المغرب من العراقة ومن الشرعية لدى مؤسسة العرش بما يسمح له بإدخال الإسلاميين مجلس النواب كأكبر حزب فيه. شكّل هؤلاء في عشر سنوات حكومات برئاسة عبدالإله بن كيران ثم سعدالدين العثماني.

نظرا الى أن المغرب يظلّ استثناء، خرج الإسلاميون من حزب العدالة والتنمية من السلطة، مثلما دخلوها، أي عبر صناديق الاقتراع. كان مطلوبا ان يجرّب المواطنون المغاربة الإسلام السياسي وذلك كي يتأكّدوا من ضرورة زوال وهم قائم على شعارات طنانة لا اكثر.

ما شهده المغرب كان هزيمة مدويّة لحزب العدالة والتنمية. إنّها هزيمة للاسلام السياسي تتجاوز حدود المملكة. مع ظهور نتيجة الانتخابات الأخيرة، نزل عدد اعضاء الحزب من 125 الى 13 في مجلس النواب الجديد. دخل هؤلاء بقوة الى الحياة السياسيّة المغربيّة قبل عشر سنوات.

لكنّ هذه الهزيمة تمثل في الوقت ذاته انتصارا ونجاحا للمغرب الذي بات مثالا فريدا من نوعه في المنطقة كدولة حديثة تهتمّ بلعب دور إيجابي على كلّ صعيد، خصوصا تجاه شعبها ورفاهه وتطوير الحياة السياسيّة. ثبتت مرّة أخرى قوّة مؤسسات الدولة فيه من جهة والوعي السياسي العميق لشعبه من جهة اخرى. دلّ على هذا الوعي الاقبال المعقول على صناديق الاقتراع، وهو اقبال زاد بقليل على نسبة خمسين في المئة على مستوى المملكة في وقت لا تزال جائحة كورونا موجودة. دلّ هذا الوعي أيضا على ان الشعارات الطنانة لا تنطلي على الشعب المغربي كلّ الوقت. إذا انطلت هذه الشعارات على المواطن العادي، فذلك ليس قدرا في دولة عريقة تكمن اهمّيتها في انّ الملك فيها متصالح مع شعبه.

اكثر من ذلك، إنّ الملك في المغرب امير المؤمنين أيضا وهو مسؤول عن كلّ مغربي وكل مقيم في الأرض المغربيّة. ينادي محمّد السادس بالاعتدال والوسطيّة وينشر التعاليم الاسلاميّة السمحة في المغرب ومحيط المغرب بما في ذلك الدول الافريقيّة.

يبقى الأهم من ذلك كلّه ان التجربة الديموقراطيّة المتجدّدة في المغرب، حيث حياة حزبيّة قديمة، وهي تجربة وضع أسسها دستور العام 2011، تشق طريقها بهدوء وامان في عهد محمّد السادس. يصبّ الهدوء والأمان اللذان يرافقان التجربة المغربيّة، الفريدة من نوعها في منطقة مضطربة، في تكريس المغرب واحة سلام وامان وازدهار في شمال افريقيا وما هو ابعد من شمال افريقيا. سيزيد هذا الواقع من ضيق عيون الحسّاد الذين يعتقدون انّ الهرب الى خارج حدود بلدهم وتحميل المغرب مسؤولية الازمة العميقة التي يعاني منها بلدهم كفيل بحلّ مشاكلهم المستعصية.  

حصل تغيير كبير في المغرب منذ إقرار دستور 2011 في استفتاء شعبي. صار الملك يختار رئيس الوزراء من بين المنتمين الى الحزب الذي يحصل على اكبر عدد من المقاعد في الانتخابات الاشتراعية. حلّ العدالة والتنمية أوّلا في انتخابات 2011 و2016. ها هو يحل أخيرا بـ13 مقعدا في انتخابات 2021 خلف حزب التجمع الوطني للاحرار (100 مقعد ومقعدان)، الذي على رأسه عزيز اخنوش، وحزب الاصالة والمعاصرة (86) وحزب الاستقلال (81) وحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبيّة (35) وحزب الحركة الشعبية (29) وحزب التقدّم والاشتراكيّة (21) وحزب الاتحاد الدستوري ( 13).

ثمّة ما يشير، من خلال قراءة النتائج، الى ان المجتمع المغربي، في نهاية المطاف، ليبيرالي ومحافظ في الوقت ذاته. أي انّه مجتمع وسطي في اكثريته الساحقة. وهذا ما يفسّر عودة حزب قديم، ذي جذور اسلاميّة يرمز الى الوطنيّة المغربيّة، مثل الاستقلال الى الواجهة. لكنّ السؤال الذي يفرض نفسه لماذا كلّ هذا التراجع للعدالة والتنمية الذي يمكن اعتباره ممثلا للاخوان المسلمين في حين ترى أوساط سياسيّة انّه اخذ بعض المسافة من هؤلاء؟

الجواب بكلّ بساطة انّ في المغرب ملكا يمتلك رؤية وبعد نظر وعلى تواصل دائم مع هواجس المواطن المغربي وهمومه. فوق ذلك كلّه، شاهد المواطن بامّ عينه ما تحقّق في السنوات الـ22 الأخيرة على كلّ صعيد، خصوصا في مجال البنية التحتيّة والحرب على الفقر والتخلّص من المدن العشوائيّة وتنمية الانسان المغربي الذي هو الثروة الحقيقية للبلد. يرى محمّد السادس في الحرب على الفقر الحرب الحقيقية على الإرهاب وعلى التطرّف بكلّ اشكالهما. لذلك عملت مؤسسات الدولة بجهد دؤوب من اجل تطوير المملكة داخليا وفتح آفاق التقدّم والتطور والانفتاح على افريقيا وأوروبا واحداث اختراقات توجت باعتراف أميركي بمغربيّة الصحراء.

في المقابل، لم يواكب العمل الحكومي كلّ هذا التغيّر نحو الافضل الذي حصل في المغرب. لم يعاقب المواطن المغربي العدالة والتنمية على صعيد اداء الحكومة وأداء أعضاء الحزب في مجلس النواّب فحسب، بل عاقب الحزب الاسلامي ايضا على سلوك كثيرين من أعضائه في المجالس المحلّية وحتى في مجلس النوّاب. كان هؤلاء ابعد ما يكون عن كلّ الشعارات التي اطلقوها في ما يخصّ محاربة الفساد والتزام السلوك الأخلاقي الذي لا غبار عليه.

ستشكل الهزيمة التي لحقت بحزب العدالة والتنمية فرصة كي يعيد الحزب بناء نفسه واستعادة شعبيّته في ظلّ ظروف صعبة ليست مرتبطة بالمغرب وحده حيث فشل الحزب فشلا ذريعا على الرغم من انّه اكثر الأحزاب تنظيما في المملكة. سيكون عليه ان يأخذ في الاعتبار أيضا تراجع الإسلام السياسي في غير مكان في المنطقة، بما في ذلك تونس القريبة وحتّى ليبيا التي تشهد تحولات داخلية ليست في مصلحة الاخوان المسلمين ومن يدعمهم، مثل تركيا وغيرها.

يبقى أخيرا انّ في استطاعة نظام مثل النظام الجزائري الاستفادة من النجاح المغربي بدل تجاهله. يبدأ ذلك بالاعتراف بانّ ازمته، كنظام عسكري تجاوزه الزمن، مع المواطنين الجزائريين وليس مع بلد مثل المغرب. المغرب مد له يده غير مرّة من اجل جعله يستعيد وعيه والاقتناع بانّ الهرب الى خارج الحدود ليس سوى هرب من الواقع ولا يمكن ان يكون شيئا آخر.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الصناديق جاءت بالاسلاميين والصناديق اخرجتهم الصناديق جاءت بالاسلاميين والصناديق اخرجتهم



GMT 17:50 2024 الأربعاء ,12 حزيران / يونيو

عودة الجغرافيا السياسية: حرب أوروبا

GMT 20:10 2021 الأربعاء ,27 تشرين الأول / أكتوبر

السم بالتذوق

GMT 20:03 2021 الأربعاء ,27 تشرين الأول / أكتوبر

مراهنات خطيرة في السودان

GMT 19:59 2021 الأربعاء ,27 تشرين الأول / أكتوبر

الحرب الأهليّة في تأويل «حزب الله» لها

GMT 19:55 2021 الأربعاء ,27 تشرين الأول / أكتوبر

السعودية... الحقبة الخضراء

GMT 00:00 1970 الخميس ,01 كانون الثاني / يناير

 صوت الإمارات -

GMT 00:00 1970 الخميس ,01 كانون الثاني / يناير

 صوت الإمارات -

GMT 00:00 1970 الخميس ,01 كانون الثاني / يناير

 صوت الإمارات -

GMT 00:00 1970 الخميس ,01 كانون الثاني / يناير

 صوت الإمارات -

GMT 18:01 2021 الجمعة ,01 كانون الثاني / يناير

لا تتردّد في التعبير عن رأيك الصريح مهما يكن الثمن

GMT 19:17 2020 الثلاثاء ,01 كانون الأول / ديسمبر

ينعشك هذا اليوم ويجعلك مقبلاً على الحياة

GMT 18:37 2020 السبت ,31 تشرين الأول / أكتوبر

حظك اليوم برج الحمل السبت 31 تشرين أول / أكتوبر 2020

GMT 18:54 2019 الأحد ,01 أيلول / سبتمبر

حلم السفر والدراسة يسيطر عليك خلال هذا الشهر

GMT 09:09 2015 السبت ,25 إبريل / نيسان

"سوني" تكشف عن مميزات هاتفها "إكسبريا زي 4"

GMT 23:38 2013 الثلاثاء ,09 تموز / يوليو

تباين أسعار خدمات المطاعم خلال رمضان

GMT 11:24 2019 السبت ,14 كانون الأول / ديسمبر

تعرف على أجمل الوجهات السياحية في شتاء 2020
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
emirates , emirates , Emirates