الكاظمي في أوروبا اخطأ ام أصاب

الكاظمي في أوروبا... اخطأ ام أصاب؟

الكاظمي في أوروبا... اخطأ ام أصاب؟

 صوت الإمارات -

الكاظمي في أوروبا اخطأ ام أصاب

خيرالله خيرالله
بقلم - خيرالله خيرالله

يندرج ما يشهده العراق حاليا في سياق هجمة إيرانية تستهدف بوضوح تأكيد انّ البلد مجرّد ورقة لا يمكن لـ"الجمهورية الإسلامية" التخلّي عنها بسهولة.

في بغداد نفسها اعتدى "الحشد الشعبي" الذي يضمّ مجموعة من الميليشيات المذهبية العراقية التابعة لايران على احد مقرات الحزب الديموقراطي الكردستاني. الهدف الايراني استفزاز الاكراد والقول لهم انّه غير مرغوب بهم في العاصمة من جهة والردّ على اتفاق سنجار الذي وقعه معهم رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي أخيرا.

تسعى ايران الى افهام كلّ من يهمّه الامر، بما في ذلك اميركا، انّها الآمر الناهي في العراق وانّه لا يحق لرئيس الوزراء التوصل الى اتفاقات مع احد المكونات العراقية، أي الاكراد، من دون إذن منها. الاهمّ من ذلك كلّه، ان ايران ردّت مباشرة على هوشيار زيباري، وزير الخارجية السابق واحد القياديين الاكراد، الذي دعا الى خروج "الحشد الشعبي" من العاصمة وجعلها في عهدة قوى الامن والجيش والأجهزة الرسمية.

كلّ ما في الامر ان ايران تريد تكريس دور "الحشد الشعبي" بصفة كونه جزءا لا يتجزّأ من تركيبة النظام العراقي الجديد الذي قام بعد العام 2003. لم يعد مسموحا بايّ شكل، من وجهة نظرها، ان تكون بغداد عاصمة لجميع العراقيين، بما في ذلك الاكراد. على العكس من ذلك، مطلوب أن تكون بغداد مدينة تحت سيطرة الميليشيات الإيرانية ممثلة بـ"الحشد الشعبي"، تماما مثلما انّ طهران تحت سيطرة "الحرس الثوري" وقوات "الباسيج" التابعة لـ"المرشد" علي خامنئي. يرى "المرشد" في "الحرس الثوري" اداته في التحكّم بكل كبيرة وصغيرة في "الجمهورية الإسلامية".   

في محافظة صلاح الدين، وقعت مجزرة ارتكبتها احدى ميليشيات "الحشد" بغية التأكيد للسنّة العرب انّهم ليسوا في مأمن في أي بقعة من العراق. اكثر من ذلك، تريد ايران اثبات، عبر ميليشياتها، انّ حياة كلّ عراقي تعتمد عليها وان لا وجود لقوى امن عراقية ترعى شؤون المواطن العادي وتستطيع المحافظة عليها. المطلوب، إيرانيا، تعرية ما بقي من مؤسسات الدولة العراقية التي يسعى مصطفى الكاظمي الى إعادة الحياة اليها، أي الى العراق نفسه، كي يكون وطنا لكلّ العراقيين.

لم يمنع حدثا بغداد وصلاح الدين مصطفى الكاظمي من القيام بجولته الأوروبية التي تشمل باريس وبرلين ولندن. بدأ الجولة بالعاصمة الفرنسية حيث التقى كبار المسؤولين، على رأسهم الرئيس ايمانويل ماكرون الذي سبق له القيام قبل فترة قصيرة بزيارة لبغداد. هناك علاقات تاريخية بين فرنسا والعراق. تعرف الشركات الفرنسية العراق جيّدا وسبق لها ان استثمرت فيه في مجالات مختلفة، من بينها النفط.

الأكيد ان رئيس الوزراء العراقي في وضع لا يحسد عليه، الأكيد أيضا انّ ثمة من انتقد جولته الأوروبية في وقت عليه الانصراف الى معالجة تداعيات ما ارتكبه "الحشد الشعبي" في بغداد وصلاح الدّين، لكنّ الأكيد جدّا ان عليه ان يقاوم والا يستسلم لـ"الحشد". في النهاية، تعمل ايران من خلال الميليشيات المذهبية من اجل اثبات ان العراق لا يمكن ان يعود دولة مستقلّة تمتلك قرارها السيادي وان على أي رئيس الوزراء العودة في كلّ شاردة وواردة الى طهران... وان يكون نسخة عن نوري المالكي.

تمثّل الجولة الأوروبية لمصطفى الكاظمي جانبا من هذه المقاومة التي يبديها الرجل في ظلّ وضع في غاية التعقيد داخليا وإقليميا. فالواضح انّ الاميركيين، الذين هددوا بإغلاق سفارتهم في بغداد، يمارسون بدورهم ضغوطا على رئيس الوزراء العراقي الذي يتردّد، اقلّه الى الآن، في الذهاب بعيدا في المواجهة مع "الحشد الشعبي". لا يزال الكاظمي متردّدا على الرغم من وجود ميليشيات معيّنة في "الحشد"، معروفة بالاسم، اخذت على عاتقها تهديد البعثات الديبلوماسية في العاصمة العراقية من اجل اظهار ان السلطة القائمة عاجزة.

هل كان على رئيس الوزراء العراقي تأجيل جولته الأوروبية ام لا؟ سيظلّ هذا السؤال موضع نقاش طويل. لكن الأمور تظلّ في خواتمها. في انتظار معرفة هل اخطأ مصطفى الكاظمي ام أصاب، هناك امر اكيد. هذا الامر مرتبط الى حد كبير بما اذا كانت ايران مستعدة للتعاطي مع الواقع العراقي بحدّ ادنى من الإيجابية والتفهّم ام مستمرّة في الاعتقاد انّ العراق جرم يدور في فلكها، حتّى لا نقول مستعمرة إيرانية.

من يتمعّن في احداث السنتين الأخيرتين يتأكّد من ان العراق يظلّ العراق وانّ ايران تظل ايران. هناك عامل في غاية الاهمّية تتجاهله طهران. يتمثّل هذا العامل في وجود نزعة استقلالية لدى معظم العراقيين، بما في ذلك الشيعة العرب الذين كانوا في طليعة من انتفض في وجه النفوذ الإيراني، ان في بغداد او في جنوب العراق، في النجف وكربلاء والناصرية والبصرة تحديدا. من هذا المنطلق، يتمتع موقف مصطفى الكاظمي، الذي لا يكنّ عداء لإيران، بغطاء شعبي عراقي شيعي وسنّي وكردي في الوقت ذاته.

لا يمكن الاستخفاف بايّ شكل بالتعقيدات الداخلية العراقية ولا في امتداداتها الإقليمية والدولية، لكنّه يفترض في هذه التعقيدات بجانبها الأميركي والإيراني والداخلي العراقي الّا تحول دون السعي الى ابراز الشخصية العراقية ومحاولة ابتكار الحلول بدل الاستسلام للأمر الواقع. ما لا يمكن تجاهله انّ هناك مقومات لتأسيس عراق جديد يتجاوز الخلافات الطائفية والمذهبية والقومية التي تعمّقت بعد التدخل العسكري الأميركي الذي اسقط نظاما قرّر اعدام نفسه يوم اجتاح الكويت صيف العام 1990.

الصورة ليست وردية، لكنّ وضع العراق ليس ميؤوسا منه. هذا يعود الى سبب واحد على الأقل، وهو إيراني. فايران التي تحاول استخدام العراق ورقة لا تمتلك أي نموذج تستطيع تصديره خصوصا بعدما صار اقتصادها في الحضيض في ضوء العقوبات الأميركية. لم يعد لدى ايران ما تراهن عليه سوى الانتخابات الرئاسية الأميركية في الثالث من تشرين الثاني – نوفمبر المقبل. من اخبر طهران ان الصفقة جاهزة مع جو بايدن وان اميركا ستكون مستعدة لتقديم المنطقة اليها على صحن من فضّة، بما في ذلك العراق؟

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الكاظمي في أوروبا اخطأ ام أصاب الكاظمي في أوروبا اخطأ ام أصاب



GMT 21:31 2024 الأربعاء ,23 تشرين الأول / أكتوبر

كهرباء «إيلون ماسك»؟!

GMT 22:12 2024 الثلاثاء ,22 تشرين الأول / أكتوبر

لبنان على مفترق: السلام أو الحرب البديلة

GMT 00:51 2024 الأربعاء ,16 تشرين الأول / أكتوبر

مسألة مصطلحات

GMT 19:44 2024 السبت ,12 تشرين الأول / أكتوبر

هؤلاء الشيعة شركاء العدو الصهيوني في اذلال الشيعة!!

GMT 01:39 2024 الجمعة ,11 تشرين الأول / أكتوبر

شعوب الساحات

GMT 21:14 2020 الثلاثاء ,01 كانون الأول / ديسمبر

يحمل إليك هذا اليوم كمّاً من النقاشات الجيدة

GMT 14:38 2019 الإثنين ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

تساعدك الحظوظ لطرح الأفكار وللمشاركة في مختلف الندوات

GMT 18:45 2021 الجمعة ,01 كانون الثاني / يناير

كن هادئاً وصبوراً لتصل في النهاية إلى ما تصبو إليه

GMT 11:33 2020 الإثنين ,30 تشرين الثاني / نوفمبر

حظك اليوم برج الميزان الأثنين 30 تشرين الثاني / نوفمبر2020

GMT 16:51 2018 الثلاثاء ,26 حزيران / يونيو

اضيفي اجواءًا جريئة ومشرقة على جدران المنزل

GMT 20:37 2017 الأربعاء ,13 كانون الأول / ديسمبر

مطعم ياباني يقدم وجبات لحوم البشر بـ 20 ألف جنيه

GMT 17:53 2016 الأحد ,21 شباط / فبراير

ندوة لمناقشة رواية "منتصر" في مكتبة "البلد"

GMT 04:12 2020 السبت ,09 أيار / مايو

برشلونة يقترب من حسم صفقة نجم يوفنتوس

GMT 11:39 2019 الخميس ,19 كانون الأول / ديسمبر

كيت ميدلتون توضح تفاصيل اللقاء الأول مع الأمير وليام

GMT 04:07 2019 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

انتقادات قوية لرئيس بريشيا الإيطالي بسبب بالوتيلي
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
emirates , emirates , Emirates