رهان على الجيش العراقي

رهان على الجيش العراقي

رهان على الجيش العراقي

 صوت الإمارات -

رهان على الجيش العراقي

خيرالله خيرالله
بقلم - خيرالله خيرالله

يعتبر اعفاء رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي لرئيس جهاز الأمن الوطني فالح الفياض، المعروف بقربه من إيران، تطورا في غاية الاهمّية. فصل الكاظمي في الوقت ذاته بين منصبي رئيس جهاز الامن الوطني من جهة ومستشار الامن الوطني من جهة أخرى. المنصبان كانا في عهدة الفيّاض الذي دفعت ايران في مرحلة معيّنة الى جعله في موقع رئيس الوزراء. ما اقدم عليه الكاظمي، يشكّل خطوة أخرى في اتجاه الإمساك بمقاليد السلطة في البلد، خصوصا بالمنظومة الأمنية التي كانت تتحكّم بها، الى ما قبل فترة قصيرة، ايران.

هناك ما يشير الى ان التخلص من فالح الفيّاض يرتدي طابعا إيجابيا، اذ حلّ مكانه كرئيس لجهاز الأمن الوطني الفريق الركن عبدالغني الأسدي، وهو ضابط محترف ينتمي الى مؤسسة الجيش العراقي. شارك الاسدي في الحرب العراقية – الإيرانية بين العامين 1980 و1988. كان في الجانب العراقي وليس في الجانب الإيراني كما غيره من العراقيين الذين كان ولاؤهم لإيران وليس للعراق.

من الواضح ان الكاظمي لا يزال مكبلا نسبيا. الدليل على ذلك تعيينه قاسم الأعرجي، وهو وزير سابق للداخلية، في موقع مستشار الأمن الوطني. انّه موقع كان يشغله الفيّاض أيضا. تكمن المشكلة مع شخص مثل الاعرجي في انّه كان ينتمي الى لواء بدر، احدى الميليشيات التابعة لإيران التي عاد المنتمون اليها الى العراق على ظهر دبابة أميركية في العام 2003.

كان الفيّاض شخصيّة مهمّة. اضافة الى شغله موقعي مستشار الأمن الوطني، ورئيس جهاز الأمن الوطني منذ 2014، كان يتولى ايضا رئاسة "هيئة الحشد الشعبي" منذ 2018. ليست "هيئة الحشد الشعبي" سوى مجموعة من الميليشيات المذهبية المعروفة بولائها لإيران.

ليس سرّا ان "الحشد" مشروع إيراني يستهدف إقامة نظام عراقي مشابه لنظام "الجمهورية الإسلامية" في ايران حيث السلطة الحقيقية لـ"الحرس الثوري" الذي يتلقّى اوامره من "المرشد" علي خامنئي مباشرة. كان طموح ايران، ولا يزال ان يكون "الحشد الشعبي" في العراق بمثابة تابع لـ"الحرس الثوري" وذلك كي يكرّس العراق مستعمرة إيرانية. وهذا ما يرفضه العراقيون باكثريتهم الساحقة، بما في ذلك الشيعة العرب الذين انتفضوا في أواخر العام الماضي واسقطوا عمليا حكومة عادل عبدالمهدي.

دفعوا ثمنا غاليا، لكنّ ما قاموا به يشكل دليلا على رفض شعبي عراقي للوصاية الإيرانية بكلّ اشكالها. هذا رفض ظهر من خلال احراق القنصلية الإيرانية في النجف ومن خلال التصدي للمحاولات الهادفة الى فرض رئيس للوزراء محسوب على طهران خلفا لعادل عبدالمهدي.

لا تزال معركة مصطفى الكاظمي من اجل استرداد الدولة في بدايتها. يتقدّم أحيانا ويتراجع في احيان أخرى، كما حصل بعد اضطراره الى اطلاق عناصر من "كتائب حزب الله" اعتقلوا ومعهم منصات لصواريخ كانوا يريدون استخدامها في عملية استهداف اهداف أميركية مختلفة في بغداد. ليس إعفاء الفياض، الذي يعرف بارتباطه القويّ بطهران من منصبه، سوى إجراء يقضم من نفوذ إيران داخل العراق. يتبيّن كلّما مر الوقت ان ايران ما زالت تمتلك اوراقها في العراق. لكنّ هناك في المقابل محاولات عراقية دؤوبة لاسترداد مؤسّسات الدولة العراقية. لا يشكّ عاقل في ان ايران بمشروعها التوسّعي تتراجع يوميا. هذا ليس عائدا الى انّها فقدت قاسم سليماني قائد "فيلق القدس" في "الحرس الثوري" الذي اغتيل بعيد وصوله الى مطار بغداد مع أبو مهدي المهندس، نائب قائد "الحشد الشعبي" فحسب، بل هناك عامل آخر يلعب دورا في جعل ايران 2020 غير ايران التي تمتلك القرار العراقي، خصوصا القرار الأمني.

لم يعد هناك مفوّض سامي إيراني في العراق. في المرّة الأخيرة التي زار فيها إسماعيل قآني، خليفة قاسم سليماني بغداد، كان عليه الدخول الى العراق بتأشيرة. لا يمتلك قآني القدرة على إدارة شؤون العراق كما كان يفعل سليماني. ليست لديه علاقات ذات طابع حميمي مع قادة الميليشيات المذهبية التي يتشكل منها "الحشد الشعبي". لا يتحدّث القائد الجديد لـ"فيلق القدس" العربية. الاهمّ من ذلك كلّه، ان ايران بدأت تظهر على حقيقتها بعدما اثّرت العقوبات الأميركية على اقتصادها تأثيرا كبيرا. يمكن ان نفاجأ غدا بان الحرائق والانفجارات التي استهدفت مواقع معيّنة كانت إشارات مهمّة الى انّه ليس مسموحا لإيران تطوير سلاح نووي وان ايّام إدارة باراك أوباما لن تعود، بقي دونالد ترامب رئيسا ام لم يبق.

ليس التراجع الإيراني شرطا كي يستعيد العراقيون العراق. توجد تحديات كبيرة امام حكومة مصطفى الكاظمي. في مقدّم هذه التحديات الوضع الاقتصادي البائس الذي وصل اليه بلد في ظلّ الفساد واعتماده على النفط ولا شيء آخر غير النفط. إضافة الى ذلك هناك حاجة لدى الحكومة العراقية الى أداة يمكن ان تستخدمها في مواجهة "الحشد الشعبي" الطامح الى الحلول مكان القوات المسلّحة العراقية، أي الجيش العراقي الذي ارتكب الاميركيون جريمة حلّه بعيد احتلالهم العراق في 2003.

لا شكّ ان "الحشد" يعاني في الوقت الحاضر من انقسامات داخلية عميقة، خصوصا في ظلّ عجز المعلّم الإيراني... وفي ظلّ غياب القدرة لدى طهران على توفير أموال لميليشيات معيّنة اعتاشت من دولارات "الجمهورية الإسلامية" ومن قدرتها على اجبار الحكومة العراقية على توفير مزيد من الأموال للميليشيات المذهبية. هل مثل هذا التطوّر المهم سيعني إعادة الاعتبار الى المؤسسة العسكرية ما يعنيه ذلك من رفض لاي تعايش بين الميليشيات المذهبية وهذه المؤسسة العريقة التي عمرها قرن من الزمن؟

لا مكان لاي ميليشيا مذهبية في أي دولة تحترم نفسها وتريد ان تكون دولة. هذا ما كشفته احداث لبنان حيث بلد ينهار بسبب "حزب الله" وسلاحه. هل يكون العراق افضل من لبنان؟ تدل كل المؤشرات الى انّه يمكن ان ينجح في التخلّص، وان بصعوبة، من السلاح غير الشرعي التابع لإيران، لكن المشكلة الكبرى ستبقى الفساد وقدرة حكومة مصطفى الكاظمي على امتلاك خطة اقتصادية تعيد الاعتبار الى العراق. هذا امر ممكن في حال حسمت المؤسسة العسكرية الوضع في نهاية المطاف لمصلحة العراق اوّلا وأخيرا... وليس لمصلحة مصالح ايران في العراق. من سيحسم في العراق كي يخرج من دوامة السلاح غير الشرعي الذي لا يعني سوى مزيد من الخراب ولا شيء غير الخراب؟ هل لا يزال الرهان ممكنا على المؤسسة العسكرية، أي على الجيش العراقي؟

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

رهان على الجيش العراقي رهان على الجيش العراقي



GMT 21:31 2024 الأربعاء ,23 تشرين الأول / أكتوبر

كهرباء «إيلون ماسك»؟!

GMT 22:12 2024 الثلاثاء ,22 تشرين الأول / أكتوبر

لبنان على مفترق: السلام أو الحرب البديلة

GMT 00:51 2024 الأربعاء ,16 تشرين الأول / أكتوبر

مسألة مصطلحات

GMT 19:44 2024 السبت ,12 تشرين الأول / أكتوبر

هؤلاء الشيعة شركاء العدو الصهيوني في اذلال الشيعة!!

GMT 01:39 2024 الجمعة ,11 تشرين الأول / أكتوبر

شعوب الساحات

GMT 18:01 2021 الجمعة ,01 كانون الثاني / يناير

لا تتردّد في التعبير عن رأيك الصريح مهما يكن الثمن

GMT 19:17 2020 الثلاثاء ,01 كانون الأول / ديسمبر

ينعشك هذا اليوم ويجعلك مقبلاً على الحياة

GMT 18:37 2020 السبت ,31 تشرين الأول / أكتوبر

حظك اليوم برج الحمل السبت 31 تشرين أول / أكتوبر 2020

GMT 18:54 2019 الأحد ,01 أيلول / سبتمبر

حلم السفر والدراسة يسيطر عليك خلال هذا الشهر

GMT 09:09 2015 السبت ,25 إبريل / نيسان

"سوني" تكشف عن مميزات هاتفها "إكسبريا زي 4"

GMT 23:38 2013 الثلاثاء ,09 تموز / يوليو

تباين أسعار خدمات المطاعم خلال رمضان

GMT 11:24 2019 السبت ,14 كانون الأول / ديسمبر

تعرف على أجمل الوجهات السياحية في شتاء 2020

GMT 14:48 2018 الأربعاء ,28 تشرين الثاني / نوفمبر

"Mother of Pearl" ترفع شعار تقديم الملابس المسائية صديقة البيئة

GMT 06:14 2018 الأربعاء ,28 تشرين الثاني / نوفمبر

كلوي كارداشيان تظهر بإطلالة جريئة باللون الأصفر النيون

GMT 05:01 2018 الجمعة ,26 تشرين الأول / أكتوبر

المنتخب الوطني تحت 19 عامًا يواجه طاجيكستان في كأس آسيا
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
emirates , emirates , Emirates