هذا ليس وقت المزاح في اليمن

هذا ليس وقت المزاح في اليمن

هذا ليس وقت المزاح في اليمن

 صوت الإمارات -

هذا ليس وقت المزاح في اليمن

بقلم : خير الله خير الله

ثمة حاجة، بين وقت وآخر، لبعض الجدّية في معالجة الموضوع اليمني، لا لشيء سوى أن ليس في الإمكان بناء شيء على لا شيء. أكثر من ذلك، إن حياة ملايين اليمنيين باتت مهدّدة بسبب الفقر والجوع وانتشار الأوبئة في بلد توقفت فيه كل الخدمات ولم تعد فيه سلطة مركزية منذ فترة طويلة

. لا حاجة إلى إعادة نشر الأرقام الصادرة عن المنظمات الدولية المحترمة في هذا المجال. هذه الأرقام المخيفة التي تتحدّث عـن المـأساة اليمنية، بما في ذلك موت الأطفال، خير شاهد على وضع لا يحتمل لا مكان فيه للحسابات الصغيرة.

بكلام أوضح، لا يمكن البناء على شرعية ليست شرعية تتصرّف وكأن شيئا لم يحصل في اليمن منذ العام 2011، وأن كل ما في الأمر هو حلول عبدربّه منصور هادي رئيسا للجمهورية مكان علي عبدالله صالح تنفيذا للمبادرة الخليجية التي سعت بصدق إلى إخراج اليمن من محنته.

قبل كلّ شيء، لا يمكن المقارنة بين علي عبدالله صالح، رئيس الجمهورية بين 1978 و2012، وبين رئيس “انتقالي” يدعى عبدربّه منصور هادي كان مفترضا أن لا يستمر وجوده في موقعه أكثر من سنتين، وذلك بعد توليه الرئاسة في شباط ـ فبراير 2012. هذا، على الأقـل، ما تـؤكده الـفوارق بين شخصيتي الرجلين، وذلك بغض النظر عن كلّ الأخطاء التي ارتكبها الرئيس اليمني السابق، خصوصا في مرحلة ما بعد انتصاره في حرب الانفصال صيف العام 1994.

وهذه أخطـاء ليس مسؤولا عنها وحده، بل هناك مسؤولية تقع أيضا على شركائه في ذلك “الانتصار”. على رأس هؤلاء الشركاء يأتي الفريق علي محسن صالح نائب رئيس الجمهورية حاليا، الذي كان بين أبرز قادة الجيش اليمني، و“التجمّع اليمني للإصلاح” الذي كانت لديه ميليشياته. اجتاحت تلك الميليشيات عدن وغير عدن وحاولت القضاء على كل مظهر من مظاهر الحياة المدنية والانفتاح على العالم في المدينة.

ما ارتكب من أخطاء في حق الجنوب اليمني والجنوبيين لا يحصى. عزّز ذلك الشعور بالاضطهاد لدى الجنوبيين الذين نهب قياديون من الإخوان المسلمين وضباط ورجال أعمال قريبون من علي عبدالله صالح أراضيهم ومنازلهم، بما في ذلك منزل علي سالم البيض في عدن!

هذا غيض من فيض مما تعرّض له الجنوب الذي ولدت فيه مظاهر عداء، غير مبرّرة أحيانا، لكل ما له علاقة من قريب أو بعيد بالشمال.

هناك بكلّ بساطة وضع جديد في الجنوب بكامله. وهذا ما يفترض أن تستوعبه “الشرعية” الممثّلة بـ“الرئيس الانتقالي” الذي لا يرتكب خطأ السعي إلى ارتداء بدلة علي عبدالله صالح فحسب، بل يعتقد أن لا تزال عدن التي عرفها في مرحلة ما قبل “أحداث الثالث عشر من يناير 1986”، وهي الأحداث التي انتهت بخروج علي ناصر محمّد من السلطة.

كان عبدربّه منصور في تلك المرحلة من أنصار علي ناصر محمّد. وهو يأتي مثله من محافظة أبين. كان علي ناصر الأمين العام للحزب الاشتراكي الحاكم ورئيس الدولة ورئيس الوزراء في الوقت ذاته. على الرغم من ذلك، أزيح من السلطة ولجأ مع أنصاره الذين يعرفون بـ“الزمرة” إلى صنعاء.

كانت الأحداث التي وقعت في الشهر الأوّل من العام 1986 صراعا على السلطة أخذ طابعا مناطقيا أكثر من أي شيء آخر. تجاوز الزمن هذا الصراع، خصوصا أن الوضع اليمني كلّه تغيّر. مثلما تغيّرت طبيعة المجتمع والعلاقات العشائرية والتركيبة القبلية في الشمال، مع بروز ظاهرة الحوثي وانهيار الصيغة المعقّدة التي كانت تتحكّم بمفاصل السلطة في اليمن كله انطلاقا من صنعاء، تغيّرت أيضا طبيعة المجتمع في الجنوب.

لم يعد في استطاعة عبدربّه منصور أو غير عبدربّه منصور تجاهل القوى الجديدة على الأرض، خصوصا المحافظ السابق عيدروس الزبيدي الذي أظهر قبل أيّام قليلة قدرة كبيرة على الحشد في المدينة. الأهمّ من ذلك كلّه أن “الرئيس الانتقالي”، الذي كان مفترضا أن يكون في بيته الآن، عاجز عن فهم المعادلة الجديدة في اليمن، بما في ذلك ما يدور في عاصمة الجنوب. من بين ما يعجز عن فهمه أن مطار عدن ليس مجرد مطار يستخدم لأغراض مدنية، بمقدار ما أنه جزء من منظومة دفاعية ذات امتدادات إقليمية تستهدف منع انهيار اليمن كليا وتحولّه إلى قاعدة إيرانية.

ليس دفاعا عن عيدروس الزبيدي الذي يستطيع الدفاع نفسه، بل هناك حاجة إلى إقرار بواقع يتمثّل في أن القوات الإماراتية كانت رأس الحربة في عملية استعادة عدن. بذلت هذه القوّات جهودا كبيرة وقدّمت ضحايا من أجل تحرير عدن من “أنصار الله” ومن القوات التابعة لعلي عبدالله صالح. هذا ليس وقت التصرّف كما لو أن كلّ شيء على ما يرام في عدن وأن في الإمكان وضع اليد على مطار المدينة بصفة كونه باب رزق يستفيد منه هذا المسؤول أو ذاك، تماما كما كانت عليه الحال في مرحلة ما قبل انهيار النظام في اليمن وانتقال الصراع إلى داخل أسوار صنعاء بين علي عبدالله صالح وخصومه من الإخوان المسلمين تمهيدا لاستيلاء الحوثيين على المدينة في أيلول ـ سبتمبر 2014. وهذا الأمر لم يكن ممكنا لو استطاع عبدربّه منصور وقتذاك فهم أن الحوثيين صاروا في صنعاء بمجرّد أنّهم استطاعوا السيطرة على محافظة عمران والقضاء على اللواء 310 الذي كان بقيادة حميد القشيبي.

هناك أمور لا يمكن التساهل تجاهها، لا لشيء سوى لأنّها تمس الوضع اليمني كلّه. ليس في الإمكان الإتيان بمحافظ جديد لعدن يدعى عبدالعزيز المفلحي، لمجرّد أنّه من الضالع. تكفي قراءة سريعة للنبذة التي قدّمها المفلحي عن حياته للتأكّد من أنّه شخص غير جدّي. فهو، استنادا إلى النبذة، من مواليد 1957 وقد بدأ نشاطه السياسي في 1965، أي عندما كان لا يزال في الثامنة من العمر. يقول المفلحي أيضا إنه “حكم عليه بالإعدام في العام 1974”، أي عندما كان في السابعة عشر من العمر عندما “اصطدم” بالنظام الذي كان قائما في اليمن الجنوبي. إنّنا أمام رجل يمارس السياسة منذ كان في الثامنة وصار خصما لدودا للنظام في سنّ السابعة عشرة. من يستطيع تصديق ذلك، خصوصا أن الكلام يصدر عن رجل شبه مجهول يعتبر نفسه من بين الشخصيات الخمسمئة المؤثّرة في العالم!

هذا ليس وقت المزاح في اليمن. هذا وقت العمل الجدي. والعمل الجدي يبـدأ بالاعتـراف بأن كل شيء تغيّر في اليمن وأن الحاجة قبل كل شيء إلى من يفهم المعادلة الجديدة بدءا بالإقرار بأنّ النجاحات الوحيدة التي تحققت فعلا على الأرض كانت في عدن والمكلا، في مرحلة لاحقة، وفي المخا قبل فترة قصيرة. ليس عيبا الاعتراف بفضل من تحقّقت هذه النجاحات في حال كان مطلوبا إيجاد قاعدة صلبة يمكن البناء عليها في اليمن، وليس على “رئيس انتقالي” لا يزال يعيش في أيام الصراع على عدن في مرحلة ما قبل العام 1986 بين “القبائل الماركسية” المنتشرة في المحافظات والمديريات القريبة من المدينة، ويظنّ أن من السهل عليه ارتداء بدلة، لم تعد موجودة، كانت يوما لعلي عبدالله صالح.

المصدر : صحيفة العرب

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

هذا ليس وقت المزاح في اليمن هذا ليس وقت المزاح في اليمن



GMT 05:27 2022 الثلاثاء ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

بهلوانيات لبنانيّة

GMT 00:15 2022 الجمعة ,09 أيلول / سبتمبر

متى الإنفجار؟... سؤال الساعة في العراق

GMT 01:37 2022 الجمعة ,05 آب / أغسطس

بين مقتدى والمالكي... مأساة عراقية

تارا عماد بإطلالات عصرية تلهم طويلات القامة العاشقات للموضة

القاهرة - صوت الإمارات
تلهم النجمة المصرية تارا عماد متابعاتها العاشقات للموضة بإطلالاتها اليومية الأنيقة التي تعكس ذوقها الراقي في عالم الأزياء، بأسلوب هادئ ومميز، وتحرص تارا على مشاركة متابعيها إطلالاتها اليومية، وأيضا أزياء السهرات التي تعتمدها للتألق في فعاليات الفن والموضة، والتي تناسب طويلات القامة، وهذه لمحات من أناقة النجمة المصرية بأزياء راقية من أشهر الماركات العالمية، والتي تلهمك لإطلالاتك الصباحية والمسائية. تارا عماد بإطلالة حريرية رقيقة كانت النجمة المصرية تارا عماد حاضرة يوم أمس في عرض مجموعة ربيع وصيف 2025 للعبايات لعلامة برونيلو كوتشينيلي، والتي قدمتها الدار في صحراء دبي، وتألقت تارا في تلك الأجواء الصحراوية الساحرة بإطلالة متناغمة برقتها، ولونها النيود المحاكي للكثبان الرملية، وتميز الفستان بتصميم طويل من القماش الحرير...المزيد

GMT 19:18 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

فساتين الكاب تمنحك إطلالة ملكية فخمة
 صوت الإمارات - فساتين الكاب تمنحك إطلالة ملكية فخمة

GMT 19:21 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

أفكار هدايا مبتكرة ومميزة في موسم الأعياد
 صوت الإمارات - أفكار هدايا مبتكرة ومميزة في موسم الأعياد

GMT 19:42 2024 الخميس ,14 تشرين الثاني / نوفمبر

الكشف عن وجود علاقة بين النوم المبكر وصحة أمعاء طفلك
 صوت الإمارات - الكشف عن وجود علاقة بين النوم المبكر وصحة أمعاء طفلك

GMT 02:54 2024 الخميس ,14 تشرين الثاني / نوفمبر

نانسي عجرم تشوق جمهورها لعمل فني جديد
 صوت الإمارات - نانسي عجرم تشوق جمهورها لعمل فني جديد

GMT 03:01 2024 الخميس ,14 تشرين الثاني / نوفمبر

غوغل تكشف عن خدمة جديدة لإنتاج الفيديوهات للمؤسسات
 صوت الإمارات - غوغل تكشف عن خدمة جديدة لإنتاج الفيديوهات للمؤسسات

GMT 19:57 2019 الخميس ,12 أيلول / سبتمبر

تتحدى من يشكك فيك وتذهب بعيداً في إنجازاتك

GMT 21:09 2018 الثلاثاء ,30 كانون الثاني / يناير

"داميان هيندز" يطالب بتعليم الأطفال المهارات الرقمية

GMT 11:11 2018 الإثنين ,15 كانون الثاني / يناير

حسن يوسف سعيد بالاشتراك في مسلسل "بالحب هنعدي"

GMT 03:01 2018 السبت ,06 كانون الثاني / يناير

حسين فهمي ووفاء عامر يستكملان "السر" لمدة أسبوع

GMT 16:07 2013 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

مطعم النينجا المكان الوحيد الذي تخدمك فيه النينجا

GMT 20:43 2017 الأربعاء ,11 تشرين الأول / أكتوبر

مصر تقدم الدعم الفني لجيبوتى لتأسيس أول معهد للفنون الشعبية

GMT 00:02 2020 الخميس ,21 أيار / مايو

ميسي ينعى فيلانوفا في ذكرى رحيله

GMT 04:12 2019 الثلاثاء ,29 تشرين الأول / أكتوبر

فوائد تناول كوب نعناع في اليوم

GMT 18:59 2019 الأربعاء ,23 تشرين الأول / أكتوبر

سجون تحولت إلى فنادق فاخرة كانت تضمّ أخطر المجرمين في العالم

GMT 00:57 2019 السبت ,19 تشرين الأول / أكتوبر

روستوف أون دون مدينة السحر والجمال و تقع في جنوب روسيا
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
emirates , emirates , Emirates