لم يكن المغفور لهما بإذن الله الشيخ زايد والشيخ راشد حينما اجتمعا في الخيمة الشمالية في سيح السديرة لمناقشة الاتحاد الثنائي بين إمارتي أبوظبي ودبي، في فبراير 1968 يحلمان بالتخطيط لإنشاء وحدة كبرى على ساحل الإمارات تدوم وتسطّر إنجازات يفخر بها كل العرب.
لم يكن الشيخان، طيب الله ثراهما، يحلمان بأن تلك التجربة الوليدة سوف تنمو وتتطور لكي تصبح تجربة استثنائية رائدة على مستوى العالم العربي، وأنها سوف تكون أنجح تجربة وحدوية على مستوى العالم العربي.
لم يكن الشيخان يحلمان بأن تلك التجربة سوف تحتفل بالذكرى الخمسين لقيامهما بتحقيق أهداف كبرى وطموحات عالية بالوصول إلى المريخ ومعانقة الفضاء وتحقيق أفضل مؤشرات الأداء العالمي في الإدارة والتنمية. كان حلم الشيخين آنذاك إنشاء كيان سياسي يضم تلك المنطقة التي عانت من الاستعمار والتخلف والفقر، كما عانى سكانها من قسوة الطبيعة وقلة الموارد الاقتصادية.
كان كل حلم الشيخين إنشاء كيان سياسي يلم سكان المنطقة بعد شتات، ويحقق لهم الحياة الكريمة مسخّراً موارد الطبيعة في توفير سبل العيش الكريم. كانت طموحاتهما بسيطة وحقيقية نابعة من القلب. ما ميّز أحلام ومواقف الشيخين أنها كانت أحلاماً واقعية نسجت من واقع المجتمع البدوي الذي عاشا فيه.
فصنّاع الاتحاد ابتعدوا عن الشعارات الرنانة والوعود البراقة التي ميّزت تلك الحقبة التاريخية، حيث عملوا بصمت وصبر حتى اكتمل المشروع، وظهر إلى الوجود قوياً شامخاً. كان كل حلم الشيخين أن يكون الاتحاد الذي يحلمان به اتحاداً مشتقاً من ظروف المنطقة، وليس فكراً مستورداً غير قابل للتطبيق على أرض الواقع.
وهكذا هيأ زايد وراشد الأرضية القوية الصلبة لهذا الاتحاد لكي يكبر ويتسع، ويكون اتحاداً شاملاً يضم الإمارات السبع، ويكون نواة لوحدة خليجية.. وهذا في الواقع ما جعل اتحاد الإمارات ينمو قوياً ويتطور سريعاً، لأنه نابع من رغبات سكان المنطقة، وليس عبر إملاءات أو رغبات خارجية.
خلال سنواته الأولى الوليدة، نجح الاتحاد في تخطي العديد من الصعاب التي كادت أن تكون عقبة كأداء في سبيل استمراره واستقراره.
فالمنطقة بأسرها لم تكن قد شهدت أي نوع من أنواع الوحدة أو الكيانات الاتحادية من قبل، وبالتالي فإن ظهور واستمرارية الاتحاد خاصة في سنواته الأولى، كانت من الحقائق التي أبهرت المراقبين، كما أن إقليم الخليج العربي برمّته كان يتعرض لمطامع إقليمية وعالمية متعددة، فالنفط الذي اكتُشف على سواحل الخليج وبلدانه جعل منه مطمعاً عالمياً للعديد من القوى التي رأت في المنطقة مكسباً قوياً عليها الاستفادة منه وبأقصى سرعة.
قاد زايد سفينة الاتحاد خلال ثلاثة عقود ونيف بكل حكمة ونضج حتى وفاته في عام 2004. وخلفه في رئاسة الاتحاد صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان الذي سار على درب زايد والآباء المؤسسين. وقد أثبتت الإمارات منذ اللحظة الأولى لميلادها أنها وُلدت لتبقى وتستمر درعاً للأمة العربية كلها.
فقد امتدت يد الإمارات تعمّر في الداخل والخارج وتزرع الخير، كما أثبتت الإمارات أنها لاعب رئيسي على الساحة العالمية.
فاستكمالاً لسياسات الإمارات الخارجية في عهد زايد، دأبت الدولة على عدم التدخل في شؤون الآخرين، وحرصت على الوقوف إلى جانب الضعيف والمظلوم. وكما امتدت يدها تعمّر وتنشر السعادة في ربوع الإمارات، امتدت يدها أيضاً إلى جوارها الإقليمي وإلى قارات العالم الخمس تساعد الضعيف، وتقف إلى جانب الحق والعدل وتنصر المظلوم.
لقد أثبتت الإمارات وخلال خمسة عقود على إنشائها أنها دولة تنشد السلام وتزرع المحبة والتسامح في العالم. فقد قامت على دعائم وأسس إنسانية راسخة لا تحيد عنها، واعتنقت مبادئ آمنت بها كالتسامح والتعايش ونشر المحبة بين البشر. فلا غرو أن تصبح الإمارات اليوم من أوائل دول المنطقة برسم السعادة في قلوب قاطنيها ونشر قيم الخير والتسامح في العالم.
إن دولة الإمارات وهي على مشارف عيدها الخمسين ترسل عدة رسائل قوية للعالم المتحضر. فهي وإن كانت دولة صغيرة بحجمها إلا أنها كبيرة بإنجازاتها وأحلامها وقيمها التي تستقيها من إرث الآباء المؤسسين ومثابرة الأبناء الطامحين إلى التغلب على كافة المعوقات والوصول بالدولة إلى فضاءات عالمية متميزة.
أما الرسالة الثانية فهي أنه لا مستحيل في سجل هذه الدولة، التي استطاعت وفي فترة زمنية قياسية رسم أجمل لوحة عالمية للتعايش والأخوة العالمية.