بقلم - فاطمة الصايغ
أعلنت دولة الإمارات عام 2021 «عام الخمسين» احتفاءً بالذكرى الخمسين لتأسيسها. هذه الدولة الفتية التي ظهرت إلى الوجود في 2 ديسمبر 1971، استطاعت منذ إنشائها كسر كل الصور النمطية عن العرب، والانطلاق نحو عالم جديد غير مألوف عربياً حتى أصبحت أنموذجاً تنموياً فريداً. فلا غرو أن تصبح، وفي زمن قياسي، دولة الحداثة والمعاصرة في المنطقة، ومؤشراً فريداً إلى سرعة تقبل هذه المنطقة كل متطلبات الحداثة والتجديد. ففي نصف قرن فقط، حققت دولة الإمارات إنجازات لم يسبقها إليها أحد، إنجازات متتالية في المجالات والحقول كافة من خلال رؤى وخطط مستقبلية مدروسة دفعتها بقوة إلى المستقبل. ففي الإمارات لا شيء يترك للمصادفة، وإنما يأخذ التخطيط والاستراتيجيات الممنهجة دوراً مهماً في نمو وتطور الدولة. هكذا أراد لها مؤسسوها الأوائل، وعلى هذا النهج سار الأبناء إلى أن وصلت دولتنا إلى ما هي عليه الآن. نشأت دولة الإمارات في عام 1971، إثر لقاء في خيمة في صحراء سيح السديرة، جمع المغفور لهما الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، وأخاه الشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم، رحمهما الله. ترعرعت الدولة الفتية في وسط إقليم مضطرب وفي بيئة صحراوية خالية من كل مقومات الحياة، تطورت اليوم لتصبح، ليس فقط لاعباً دولياً مهماً، ولكن رقماً اقتصادياً صعباً على الساحة العالمية.
منذ البداية، كانت الإمارات على موعد مع القدر، القدر الذي هيأ لها ثلاثة عناصر رئيسة ساهمت في نهضتها وتطورها: قيادة أبوية حكيمة، وثروة طبيعية وظفت واستغلت أحسن استغلال من أجل خير شعبها والبشرية جمعاء، وتراث قيمي مشترك، يصاحبه عزيمة وإصرار على قهر المستحيل بكل تجلياته والانطلاق نحو المستقبل بكل ثقة. هذه العناصر لم تساهم فقط في تشكيل الهوية الثقافية الوطنية في الداخل، بل في رسم وتشكيل صورة الإمارات على المسرح العالمي. فقد تميزت قيادة الإمارات بأنها قيادة حكيمة تعاملت مع كل الأزمات باحترافية ومرونة، واستطاعت قيادة سفينة الاتحاد في بحر متلاطم الأمواج إقليمياً ودولياً. أما الثروة الطبيعية التي حباها الله لدولة الإمارات، فقد وظفت، ليس فقط لخير شعب الإمارات، الذي أصبح يحظى بمستوى حياة مرفهة، بل لخير الأمة العربية ودول العالم. أما العنصر الثالث، فهو ذلك التراث القيمي، الذي ميّز دولة الإمارات وقيمها الإنسانية. فالإمارات منذ القدم كانت وما زالت تتمتع بتراث قوي من القيم الأصيلة التي استمدتها من إرثها العربي. هذا التراث يساهم اليوم في إبراز مجتمع الدولة مجتمعاً متسامحاً، احتضن جميع الأجناس والأديان والقوميات. هذه العناصر الثلاثة عملت على رسم صورة الإمارات محلياً ودولياً.
في عقودها الأولى، عملت دولة الإمارات على تجسيد صورة الأصالة والمعاصرة من خلال مشاريعها التنموية، ومن خلال تعاملها مع مختلف الدول على المسرح العالمي. فهي دولة تبنت كل مشاريع الحداثة وصدرت للعالم أنموذجاً متفرداً للتعايش القائم على احترام الآخر. فهي تحترم حقوق الآخرين، وتحترم العمل المشترك الذي يؤدي إلى السلام والاستقرار في المنطقة والعالم. ولهذا فقد تميزت سياسة الإمارات بالأنسنة التي تحترم الآخر وتساعد كل محتاج وضعيف. وتمثل هذا الاتجاه في الجائحة الصحية التي تجتاح العالم. فلم تقتصر إجراءات الإمارات على حماية شعبها ومنجزها الداخلي، من خلال وضع حزمة من الإجراءات الوقائية والحوافز الاقتصادية التي قامت بإنعاش الاقتصاد وخففت من تأثير الجائحة في المجتمع، بل تجاوزت ذلك إلى مساعدة دول العالم على التخفيف من تداعيات «كوفيد 19» من خلال مساعدات طبية وإغاثية إلى 135 دولة حول العالم.
إن دولة الإمارات، وهي تحتفل هذا العام بالذكرى الخمسين لقيامها، إنما تحتفل، ليس فقط بتاريخ طويل من المنجز الاتحادي، بل بمنجز علمي أدخلها دائرة السباق العالمي نحو الفضاء. هذا المنجز الذي حققته في 9 فبراير 2021 والذي تكلل بوصول «مسبار الأمل» إلى كوكب المريخ، وهو تكليل لجهد إماراتي عربي ودولي في حقل علوم الفضاء، والذي سيكون في خدمة البشرية جمعاء. إن هذا الإنجاز أعاد للعرب جميعاً الألق الذي تمتعوا به إبان زهوة الحضارة العربية الإسلامية.
إن المستقبل ينظر لدولة الإمارات بعين الأمل والتفاؤل، ففي أكتوبر 2021 سوف ينطلق معرض «إكسبو 2020 دبي»، وتتطلع الإمارات لهذا الحدث الذي سيلتقي فيه العالم، وتتكاتف فيه الجهود والعقول لصنع المستقبل.