بقلم - فاطمة الصايغ
دخلت دولة الإمارات في هذا العام مرحلة تاريخية جديدة من حياتها، مرحلة تحتفي فيها بيوبيلها الذهبي، وتبدأ فيها مرحلة جديدة قائمة على الاستعداد الجيد لمستقبل يتواصل فيه البناء والإنجاز، ويعمّها الاستقرار والسلام.في هذه المرحلة تتفرغ فيها الدولة أولاً، كغيرها من دول العالم، للتخلّص من آثار جائحة «كورونا» التي أثّرت في كل مناحي الحياة، وثانياً للاهتمام بملفات عديدة وضعتها الدولة على طاولة البحث استعداداً للمستقبل. وفي هذه المرحلة تبدو فيها الإمارات أكثر ثقة من أي وقت مضى بالمضي قدماً في خلق بيئة واعدة للنمو الاقتصادي والشراكة الخارجية.
قادت الإمارات في الخمسين سنة الماضية نهضة شاملة لم يسبق لها نظير في المنطقة العربية. فقد أصبحت الإمارات أنموذجاً في التنمية القائمة على استثمار كل العناصر الطبيعية والبشرية المتوافرة بالإضافة إلى الاستثمار الأفضل للمكوّنات الاقتصادية والجغرافية. ومن البديهي، أن تصبح دولة الإمارات، وفي غضون خمسة عقود، دولة عصرية تتبنّى كل عناصر الحضارة الحديثة مع الاحتفاظ بموروث حضاري محلي حيّ ومؤثر.
الإمارات في هذه المرحلة تقف على أرضية صلبة تتباهى بإنجازات ضخمة تحققت فعلاً. فقد هيّأت الإمارات كل السبل السياسية والأمنية واللوجستية لكي تبدأ الدولة نصف القرن المقبل بتخطيط جيد، وبرؤية متوازنة وسليمة وبمرونة عالية للوصول إلى أهداف المئوية الأولى. المحددات السياسية الداخلية هي الثوابت القومية لتنمية شاملة وحقيقية، تهدف إلى توفير الرخاء والسعادة للشعب، وتحقيق التآزر لبناء مجتمع متلاحم لتلبية طموحات أبناء الدولة.
أما المحددات السياسية الخارجية فهي مرتبطة بعنصرين مهمين وهما: الحفاظ على الأمن القومي والارتقاء بالمصالح الوطنية. ولذا تهدف الدولة إلى الموازنة بين تحقيق المصالح الوطنية والأمن القومي والتفاعل مع العالم الخارجي، من دون اجتزاء للقيم والثوابت الإنسانية التي قامت عليها الدولة. الإمارات تدرك أنها تعيش في منطقة جيوستراتيجية حيوية من العالم.
فالمنطقة ككل سوف تشهد في العقود المقبلة متغيرات كبيرة، سوف تؤثر في علاقاتها البينية والإقليمية والدولية. فالمتغيرات العالمية سواء السياسية منها أو الاقتصادية سوف تطال منطقة الخليج بوصفها لاعباً مهماً على الساحة العالمية فضلاً عن كونها مصدراً مهماً للطاقة. ولهذا فإن الاستعداد الجيد للمرحلة المقبلة يتطلب تخطيطاً سليماً ونهجاً متوازناً قائماً على حسن الجوار والانفتاح على العالم والاستثمار الجيد للموارد الاقتصادية والبيئية.
ملفات الإمارات للفترة المقبلة عديدة، ويأتي على رأسها ملفات: التعافي الاقتصادي من آثار جائحة «كورونا»، و«العلوم المتقدمة والفضاء»، و«الاستدامة البيئية»، و«تمكين الشباب». خارجياً، أمام الإمارات ملفات مهمة ومنها ضمان الاستقرار والأمن في منطقة الخليج، من خلال تفعيل الشراكات الإقليمية والدولية وحماية المصالح الوطنية. هذه الملفات هي على رأس أولويات دولة الإمارات للفترة المقبلة، ومن ضمن أولويات السياسة الخارجية.
وغني عن القول، إن الإمارات تسير على نهج واضح وسليم لتحقيق هذه الأهداف، حيث تبدأ من ضمان الداخل وينصبّ اهتمام حكومة الإمارات على التعافي الاقتصادي. فقد اتخذت الدولة خطوات عدة للسير على النهج الصحيح الذي يقود للتعافي الشامل.
كما أنها اتخذت حزمة من الإجراءات والقرارات التي من شأنها أن تسرّع التعافي، وتعيد الأمور إلى نصابها قبل الجائحة. التحولات التي من المتوقع أن تطرأ على المنطقة من جراء تأثرها بالمتغيرات الدولية، من المتوقع أن تؤثر في الإمارات وجوارها الإقليمي. وقد رسمت الإمارات خطتها للعقود المقبلة بتأنٍ وبرؤية مستقبلية ثاقبة. فهي سوف تفتتح مرحلتها الجديدة بوصول «مسبار الأمل» إلى وجهته الشهر المقبل، وسوف يكون هذا الإنجار فاتحة لإنجازات أخرى، سوف تسطّر في سجل الإمارات. كما أن ملفّها الداخلي غنيّ بخطط التعافي الاقتصادي، والاستفادة من المصادر البيئية للطاقة.
ومن الواضح أن المشهد الدولي المقبل سوف يكون بلا شك مؤثراً في المنطقة بأسرها، ولهذا فإن خطط الإمارات الخارجية تسير في طريق تكوين شراكات دولية من شأنها التمهيد لخلق أوضاع سياسية تهيئ لكل الأطراف بيئة سليمة خالية من الأزمات والتحديات. إن دولة الإمارات وهي تستعد ليوبيلها الذهبي، إنما تستعد أيضاً لطي صفحة، والبدء بفتح صفحة جديدة قائمة على الحوار والتفاهم الدولي، لخلق بيئة واعدة للتكامل الاقتصادي على الصعد كافة، لأن تلك الشراكات هي وسيلة مهمة للارتقاء والازدهار.