لا شك بأن المتابع الحقيقي والجاد لملف حقوق المرأة في الخليج يدرك التطور التاريخي الذي مر به هذا الملف حتى وصل إلى مرحلة التمكين والمشاركة السياسية.
ولكن أيضاً يلاحظ الاهتمام الغربي المتصاعد بهذا الملف والذي يحاول الغرب استخدامه في بعض الأحيان كأداة للتدخل في شؤون المجتمعات الخليجية وربما كأداة لإيجاد تعاطف له على الساحة الشعبية في الخليج.
فالغرب مدرك حق الإدراك بأنه يتعامل مع ملف يلقى اهتماماً شعبياً وأيضا عالمياً وأنه ليس كالملفات الأخرى كونه يحمل طابع الخصوصية والحساسية؛ ملف يتعاطى مع عادات وأعراف مجتمعية بعضها مشتق من الدين الإسلامي والبعض الآخر مشتق من أعراف وتقاليد مئات بل آلاف السنين.
ولهذا فإن ملف حقوق المرأة بالتأكيد ليس كغيره من الملفات، لأنه ملف لا يتعاطى مع فرد بل مع مجتمع بأكمله.
ولكن اختلاف المفاهيم يخلق فجوة فكرية وتساؤلاً.
فالحرية التي يؤمن بها الغرب لا تعني أنها هي نفسها الحرية التي تتطلع لها نساء المنطقة. كما أن مفاهيم الحقوق المدنية لا تعنى أنها نفس المفاهيم التي تسعى نساء الخليج لتحقيقها.
فمن المؤكد أن الظروف التاريخية والاجتماعية التي عركت المرأة في الخليج قد خلقت منها تلك المرأة القوية القادرة على التعاطي بحكمة مع المتغيرات الاجتماعية التي مرت بها مجتمعات الخليج.
وبالتأكيد فإن تلك الظروف التي عركت المرأة الخليجية غير تلك الظروف التي عركت المرأة الغربية، وبالتالي فإن المراقب الجاد يدرك بأنه لا يمكن النظر إلى ملفات المرأة الغربية والخليجية بالنظرة ذاتها، على الرغم من التشابه في بعض الجوانب.
لقد تعرضت المرأة عبر التاريخ إلى التهميش والظلم في بعض المجتمعات ولكن الكثير من المجتمعات المعاصرة، ومنها مجتمعات الخليج، تحاول الآن تغيير تلك الصورة النمطية عن طريق إشراك المرأة وإعطائها حقوقها كاملة وإعادة الاعتبار لها كشريك كامل الأهلية في عملية التنمية المجتمعية.
ولكن مشكلة العقل الغربي أنه لا يزال حبيس تلك النظرة النمطية المقلوبة السائدة في بعض الأحيان في عقول مفكريه وصناع القرار فيه. فالغرب لا يزال يقيم المرأة في الخليج بنفس الميزان الذي استخدم قبل عشرات السنين متجاهلاً ذلك التقدم الكبير الذي أحرزته الخليجية على كافة الصعد.
فلا يزال البعض يخطىء في إعطاء المرأة حجمها الصحيح كما لا يزال البعض يجهل التفسيرات الصحيحة لمصطلحات كالحجاب والوصاية الأسرية وغيرها من المصطلحات، التي تعتبر غريبة في عرف المجتمعات الغربية.
وكما يخطىء الغرب في تفسير بعض المصطلحات يخطىء أيضاً في تفسير وضع المرأة الاجتماعي وصيرورتها في الأسرة.
فعلى الرغم من أن التقدم الذي قطعته المرأة في الخليج والذي لا يمكن أن تخطئه العين إلا أن الغرب لا يزال مصمماً على الإساءة لدول الخليج متخذاً من حقوق المرأة ستاراً يخفي أغراضه الحقيقية.
وعلى الرغم من عدم وجود مطالب من قبل المرأة لم تحقق أو تُلبى من قبل القيادات السياسية، والتي تحاول جاهدة تحقيق التوازن بين الجنسين من خلال سن التشريعات والقوانين التي تضمن تحقيق هذا التوازن، إلا أن هناك بعض الأصوات القليلة والتي تعد على أصابع اليد والتي تطالب بمطالب فردية وحرية غير مقننة وخروج عن العادات والأعراف غير معتاد في المنطقة.
هذه الأصوات الفردية هي التي يتلقفها الغرب ويعممها على أنها الوضع السائد لنساء المنطقة وأن المطالب التي تطالب بها تلك الأقلية هي مطالب نساء الخليج.
وعلى الرغم من تقدم المجتمعات الغربية إلا أن الفرد فيها محكوم فكرياً بما تقدمه له وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي.
المراقب الغربي يجب أن يصل لنتيجة مغايرة بالنسبة لملف حقوق المرأة في الخليج، وهو أن الخليجية تعيش عصرها الذهبي حالياً من خلال الخدمات التي وفرتها دول الخليج للمرأة ومن خلال سن القوانين والتشريعات التي تحمي وضعها وتصون كرامتها.
فقد عاهدت دول الخليج نفسها على الارتقاء بأوضاع المرأة عن طريق التشريعات الحقيقية والقوانين الجادة التي تساعد المرأة على الارتقاء بأوضاعها عموماً.
إننا حين نتحدث عن أوضاع المرأة في الخليج إنما نتحدث عن حقائق واقعة وأرقام مؤكدة تحكي بصراحة عن التقدم الكبير الذي أحرزته المرأة الخليجية خلال العقود الأخيرة، وليس عن حالات فردية تدعي الظلم والاضطهاد.
فمن المؤكد أن مثل هذه الحالات موجودة في كل المجتمعات، وليست قاصرة على مجتمعات الخليج فقط. وبالتالي فإن التقدم الذي أحرزته المرأة في الخليج لا يمكن أن تغطيه حالات فردية قليلة العدد تدعي التهميش والظلم.
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع
نقلا عن صحيفة البيان