بقلم : د. وحيد عبدالمجيد
تجدد أمل خصوم الرئيس دونالد ترامب في عزله من منصبه، بعد تسريب مكالمة أجراها مع نظيره الأوكراني فولودومير زيلينسكى، قبل نحو شهرين، بناءً على تفسير بعض ما قاله خلالها بأنه نوع من إساءة استخدام السلطة، للنيل من منافسه المحتمل في انتخابات 2020 الرئاسية جو بايدن. ويجادل الأعضاء الديمقراطيون في مجلس النواب بأن ترامب ضغط، في هذه المكالمة التي سربها أحد العاملين في الاستخبارات المركزية على زيلينسكي، من أجل إعادة فتح التحقيق في قضية خاصة بعمل هانتر بايدن في شركة غاز أوكرانية عام 2014، حين كان والده نائباً للرئيس السابق باراك أوباما، وكان هذا التحقيق قد أُغلق من دون توجيه اتهام، وحامت شبهات حول تدخل بايدن الأب لغلق القضية.
ويعتقد الديمقراطيون في مجلس النواب، ورئيسته نانسي بيلوسي، أن في هذه المكالمة ما قد يساعدهم أخيراً في تحقيق ما يصبون إليه منذ أكثر من عامين، وهو أن يجري المجلس تحقيقاً ينتهي إلى توجيه اتهام يمكن الاستناد عليه لدعوة مجلس الشيوخ إلى النظر في عزل ترامب.
لم يجد خصوم ترامب في مجلس النواب ما يكفي لفتح تحقيق لهذا الغرض، عندما أثاروا قضية التدخل الروسي في انتخابات الرئاسة الأميركية الأخيرة، التي فاز فيها ترامب على المرشحة الديمقراطية هيلاري كلينتون. ولم تساعدهم النتائج، التي خلص إليها المحقق المستقل روبرت مولر في أبريل الماضي، بعد عمل استغرق نحو عامين، في التحرك سعياً إلى عزل ترامب.
ولم يكن ممكناً أو منطقياً، الاستمرار في محاولة البحث عن أدلة لم يجدها محقق خاص تفرغ لهذه المهمة لنحو عامين. ولذا، بدا أن خصوم ترامب في الحزب الديمقراطي فضلوا التركيز على الانتخابات الرئاسية، التي يقترب موعدها يوماً بعد يوم، خاصةً مع وجود سباق محتدم داخله بين الطامحين لنيل ترشيحه لمنافسة ترامب في هذه الانتخابات. لكن، ما أن سُرِّبت «المكالمة الأوكرانية» حتى تلقفوها وشرعوا في إجراءات التحقيق فعلاً، واستعادوا الأمل الذي بدا أنهم فقدوه بعد إصدار مولر تقريره. وربما وجدوا في هذه المكالمة فرصتهم الأخيرة لخوض معركة حاسمة ضد ترامب قبل الانتخابات، بدلاً من انتظارها.
ولذا، فالأرجح أنهم سيطرقون كل باب لتوظيف هذه المكالمة في التحقيق، الذي يأملون أن تكشف تفاصيله ما قد تُعد مخالفات أخرى ارتكبها ترامب، خاصةً إذا تمكنوا من فك الحظر المفروض على مكالماته مع رؤساء آخرين، يشكون في أنه يخفي جوانب من علاقاته معهم.
لكن، إذا افترضنا أنهم نجحوا في هذا كله، وتمكنوا من بلورة صيغة اتهام متماسك، واستخدموا أغلبيتهم في مجلس النواب لتمرير هذا الاتهام، فستبقى أمامهم عقبة الحصول على ثلثي الأصوات في مجلس الشيوخ، الذي يفتقرون لأغلبية بسيطة فيه (47 عضواً فقط من أصل 100). وستكون مهمتهم بالغة الصعوبة عندما يحاولون إقناع قطاع من قاعدة الحزب الجمهوري الانتخابية بجدية الاتهام، بهدف إحراج أعضائه في مجلس الشيوخ، وإرغامهم على إجراء حسابات دقيقة لمعرفة ما إذا كان استمرار دعمهم ترامب يمكن أن يكلفهم خسارة بعض ناخبيهم في دوائرهم الانتخابية. وربما يكون احتمال فشلهم في هذه المهمة هو الأرجح. لكن المشكلة الأكبر بالنسبة للديمقراطيين قد لا تكون في هذا الفشل، بل في أن حملتهم ضد ترامب ستنال أيضاً من بايدن، الذي يُرجح حتى اللحظة الراهنة أن يكون مرشحهم لانتخابات 2020. فليس سهلاً تجنب إظهار تفاصيل مخفية عن عمل بايدن حين كان نائباً للرئيس، وقد يثبت تدخله فعلاً لحماية نجله في أوكرانيا. وقد تكون خسارة بايدن أكبر إذا ظهرت دلائل على أنه تدخل لعرقلة العدالة، وغلق تحقيق قضائي في أوكرانيا لحماية نجله، خاصةً إذا تبين أن القضية التي أُغلق التحقيق فيها تتعلق بممارسات فساد. وعندئذ، سيكون موقف ترامب الانتخابي أقوى، لأن الناخب الأميركي اللامنتمي حزبياً سيوضع أمام اختيار بين مرشحين متهمين بإساءة استخدام السلطة، لكن أحدهما تحوم حوله أيضاً شبهة تدخل بوساطة هذه السلطة لحماية نجله. وفي هذه الحالة، قد تأتي حملة الديمقراطيين الجديدة ضد ترامب بنتيجة عكسية، حتى إذا تجنبوا ترشيح بايدن، وقدموا مرشحاً آخر لا تحوم حوله شبهات.
إنها، إذن، المعركة الأخيرة قبل الانتخابات، وربما المعركة التي تحسم نتيجة هذه الانتخابات.