بقلم : د. وحيد عبدالمجيد
توجد مساحة واسعة للخلاف على أهمية وجود أحزاب وحركات سياسية فاعلة فى البلدان التى تتطلع إلى النجاح والتقدم
. لكن الأمر يختلف كثيراً بالنسبة إلى الجمعيات الأهلية وغيرها من المنظمات غير الحكومية التى تُمثّل أهم مكونات المجتمع المدنى.
فقد ثبت أن وجود مجتمع مدنى قوى يتمتع بالحرية والاستقلال شرط جوهرى لتوفير المقومات اللازمة للنجاح، لأنه يقوم بدور أساسى فى كثير من المجالات الاقتصادية التنموية، والاجتماعية، والثقافية.
ويعود ذلك إلى أسباب فى مقدمتها أن حالة المجتمع العام ترتبط بمدى فاعلية المنظمات والهيئات والروابط وغيرها من الكيانات التى يجمع كل منها عدداً من أفراد هذا المجتمع، ويُحوَّلهم من الاستغراق فى شئونهم الخاصة إلى الاهتمام بأحد جوانب الشأن العام والمساهمة بعمل نافع فيه. ولذلك يكون المجتمع العام أكثر حيوية وعملاً وإنتاجاً وإسهاماً فى تحقيق التنمية، وتقديم الرعاية الاجتماعية والإنسانية، وتطوير المعرفة، وتحسين أنماط الحياة، كلما ازدادت المساحة التى نُطلق عليها مجتمع مدنى فيه.
ولذلك تنامى الاعتقاد منذ سبعينيات القرن الماضى فى أن المجتمع المدنى يُعد الضلع الثالث فى مثلث النجاح والتقدم بالنسبة إلى أي دولة، إلى جانب المؤسسات الرسمية والقطاع الخاص. ولم يبدأ عقد التسعينيات إلا وكان هناك اتفاق واسع، وربما شبه كامل، فى العالم على أن فاعلية الأضلاع الثلاثة لهذا المثلث هى السبيل إلى النجاح والتقدم. وكان الفشل المدوى لتجربة الاتحاد السوفيتى ومعسكره، والبلدان التى تأثرت بها، دليلاً على أن الاعتماد على ضلع واحد من هذه الأضلاع الثلاثة يقود إلى كارثة. وتبين أن الأضلاع الثلاثة غير قابلة للتجزئة، وأن إغفال أحدها أو تعطيله يُنتج خللاً يتعذر إصلاحه مهما يكن مستوى التعبئة فى أوساط مكونات الضلعين الآخرين.
وهذا ما ينبغى أن ننتبه إليه اليوم لكى نراجع الإجراءات التى تُضعف المجتمع المدنى أو تُقَّيده فتحول دون القيام بدوره، بدءاً بمراجعة قانون الجمعيات الأهلية الذى لم يدخل حيز التنفيذ بعد مرور أكثر من أربعة أشهر على موافقة مجلس النواب عليه.
كما نحتاج إلى معالجة المشكلات التى تواجه القطاع الخاص، وفى مقدمتها أزمة الثقة التى تنتاب بعض مكوناته، لكى يعمل هذا الضلع بطاقته كلها وليس بجزء منها, لأن النجاح والتقدم يتحققان بجهود المثلث كاملة وليس بنصفها.