الدستور أولاً أم الحل السياسي

الدستور أولاً أم الحل السياسي؟

الدستور أولاً أم الحل السياسي؟

 صوت الإمارات -

الدستور أولاً أم الحل السياسي

د. وحيد عبدالمجيد
بقلم : د. وحيد عبدالمجيد

تثير مهمة اللجنة الدستورية السورية، المُشكلة من ممثلين للحكومة، وبعض أطياف المعارضة، ومنظمات المجتمع المدني، سؤالاً كبيراً عن المسار الطبيعي لحل أزمات عميقة مثل الأزمة السورية، وهل يتعين الاتفاق على أسس هذا الحل، أو حتى خطوطه العامة أولاً، أو يمكن إعطاء الأولوية لصوغ الدستور، الذي يُحدد المقومات الأساسية للدولة، وطبيعة النظام السياسي، والعلاقة بين السلطات؟
المعتاد أن يكون التوصل إلى اتفاق، أو إطار عام، بشأن أسس الحل السياسي مُقدماً على وضع الدستور، فهذه الأسس هي التي يُفترض أنها تحكم النقاش الدستوري، غير أنه إذا كان التفاهم على أسس الحل السياسي الذي يُؤسَس الدستور عليه متعذراً، فهل يُترك الوضع لمزيد من التدهور، أو يحاول الوسيط الأممي التحرك في أية مساحة يجدها، حتى إذا بدا هذا التحرك تعبيراً عن خلل في ترتيب الأولويات؟
السؤال مُختلف على جوابه، بين من يفضلون انتظار توافر ظروف مواتية للسعي إلى تفاهم على حل سياسي، ومن يرون أن تجريب إجراء حوار حول الدستور قد يفيد في فتح قنوات، ربما تساعد في فتح الطريق إلى حل سياسي.
لكن الأرجح، أن يواجه منهج الدستور أولاً، في حالة الأزمة السورية الراهنة، صعوبات قد تجعل طريقه مسدودة، على نحو ربما يجعل انتهاجه نوعاً من الهروب إلى الأمام، ولعل أولى هذه الصعوبات عدم وجود اتفاق على هدف اللجنة الدستورية، التي تتكون من 150 عضواً مُقسمين بواقع ثلث للحكومة، ومثله للمعارضة، وثالث لممثلين عن المجتمع المدني، مقبولين من جانب كل من الحكومة والمعارضة، فهل تعمل هذه اللجنة من أجل وضع دستور جديد، أو تعديل الدستور الحالي الصادر عام 1973 والمعدل عام 2012؟
وهذا موضوع جوهري، كان مفترضاً أن يسعى المبعوث الأممي إلى سوريا «غير بيدرسون» إلى تحديده، بالتزامن مع تشكيل اللجنة الدستورية، بدلاً من ترك هدفها عائماً في الدعوة التي وجهها لعقد اجتماعها الأول، إذ تضمنت «مراجعة دستور عام 2012، بما في ذلك سياق التجارب الدستورية السورية الأخرى، وتعديل هذا الدستور أو وضع دستور جديد». 
والمتوقع أن يستنفذ هذا الموضوع وقتاً قد يكون طويلاً، ويُرجح أن يصر ممثلو الحكومة السورية في اللجنة على إجراء بضع تعديلات، لا تتضمن تغييراً كبيراً في بنية الدستور الحالي ومحتواه، على النحو الذي حدث عام 2012، ويصعب تصور قبول ممثلي المعارضة في اللجنة خفض مستوى طموحهم، إلى تعديل لا يتضمن تغييراً في هيكل النظام السياسي، الذي يتمتع فيه رئيس الجمهورية بصلاحيات واسعة للغاية، إذ يتطلعون إلى نظام برلماني، أو على الأقل نظام شبه رئاسي أكثر ديمقراطية ولا مركزية، ويُحقق توازناً بين سلطات الدولة، وليس متصوراً أن يقبلوا تعديلاً لا يتضمن مثل هذا التحول في هيكل النظام السياسي.
وفي حالة تمسك كل من الطرفين بموقفه، وتعذر التوصل إلى اتفاق على هدف اللجنة، ربما ينتهي عملها قبل أن تدخل في صلب مهمتها، لأن مسألة الدستور تتطلب توافقاً عاماً، خاصة في ظل عدم جدوى إجراء اقتراع داخلها، بافتراض أن مسألة الدستور يمكن أن تُحسم بأغلبية بسيطة، ولا يُجدي اللجوء إلى الاقتراع، لصعوبة حصول أية صيغة على نسبة 75% المحددة، في ورقة «المعايير المرجعية والعناصر الأساسية للائحة الداخلية للجنة الدستورية»، والتي وضعتها الأمم المتحدة، وأرسلها الأمين العام، أنطونيو جوتيريش، إلى رئيس مجلس الأمن في 28 أكتوبر الماضي، عشية الاجتماع الأول لهذه اللجنة.
وتنص الورقة، في بندها الثالث عشر، على أن «تعتمد اللجنة بهيئتيها الموسعة والمصغرة في عملها، وقراراتها، على التوافق كلما أمكن، وإلا بتصويت 75% على الأقل من الأعضاء».
وستتوقف نتيجة أي اقتراع، على مواقف الأعضاء الخمسين، الذين يمثلون المجتمع المدني، وقدرة ممثلي كل من الحكومة والمعارضة على التأثير في هذه المواقف، وحتى في حالة تمرير صيغة ما عبر الاقتراع، قد لا يُلتزم بها خاصة إذا لم تكن مقبولة من جانب الحكومة، التي أصبحت في موقف أقوى بكثير من المعارضة.
ومع ذلك، ربما تتمكن اللجنة الدستورية من تحقيق اختراق، يفتح باباً أمام حل أزمة ما زالت تبدو مستعصية، إلى حد أن الرئيس دونالد ترامب، وضعها في مقدمة ما اعتبرها «أزمات غير قابلة للحل»، في سياق تفسير سياسة إدارته المتأرجحة تجاهها.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الدستور أولاً أم الحل السياسي الدستور أولاً أم الحل السياسي



GMT 21:31 2024 الأربعاء ,23 تشرين الأول / أكتوبر

كهرباء «إيلون ماسك»؟!

GMT 22:12 2024 الثلاثاء ,22 تشرين الأول / أكتوبر

لبنان على مفترق: السلام أو الحرب البديلة

GMT 00:51 2024 الأربعاء ,16 تشرين الأول / أكتوبر

مسألة مصطلحات

GMT 19:44 2024 السبت ,12 تشرين الأول / أكتوبر

هؤلاء الشيعة شركاء العدو الصهيوني في اذلال الشيعة!!

GMT 01:39 2024 الجمعة ,11 تشرين الأول / أكتوبر

شعوب الساحات

GMT 18:04 2019 الإثنين ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

الحب على موعد مميز معك

GMT 00:42 2019 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

كردستان تحتضن معسكر المنتخب العراقي لكرة السلة

GMT 01:57 2019 الأربعاء ,24 إبريل / نيسان

عقبة تُواجه محمد صلاح وساديو ماني أمام برشلونة

GMT 05:18 2018 الخميس ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

ريماس منصور تنشر فيديو قبل خضوعها لعملية جراحية في وجهها

GMT 17:03 2019 الإثنين ,15 إبريل / نيسان

استقبلي فصل الخريف مع نفحات "العطور الشرقية"

GMT 04:38 2018 الإثنين ,12 شباط / فبراير

خدع بسيطة لتحصلي على عيون براقّة تبدو أوسع

GMT 01:20 2013 الأحد ,21 إبريل / نيسان

دومينو الـ10 ألاف "آيفون 5 إس" الجديد

GMT 01:14 2013 الخميس ,28 تشرين الثاني / نوفمبر

الإقامة الفاخرة في جزيرة جيكيل الأميركية

GMT 20:41 2018 الإثنين ,08 كانون الثاني / يناير

إريكسون يؤكد أن ساوبر أنقذت نفسها من موسم "كارثي" في 2017

GMT 10:32 2017 الجمعة ,08 كانون الأول / ديسمبر

دلال عبد العزيز تكشف عن تفاصيل دورها في "سوق الجمعة"
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
emirates , emirates , Emirates