بقلم - عمرو الشوبكي
انتهى شهر رمضان المبارك واختفت العزومات وليالى السهر والسحور وصلى الناس فى البيوت، وشاهدوا كثيراً من المسلسلات واضطروا معها لأن يروا إعلانات أخذت مساحات وقت فوق أى احتمال.لقد عرفتْ أجيال كثيرة فى مصر هذا التعايش بين الدين والدنيا طوال شهر رمضان، وكان دليلا حيا على أن بلدنا «فيها حاجة حلوة»، حتى جاء عصر التخمة الرمضانية فى كل شىء: عدد المسلسلات، الإسراف فى الطعام والشراب، وأماكن الخروج والسهر قبل كورونا والأزمة الاقتصادية، ومساحة إعلانات لا تحتمل من حيث الوقت ولا توصف.والصادم أن الشهر الفضيل شهد هجومًا كاسحًا من عدد هائل وفج من الإعلانات تجاوزت حدود المنطق والمهنية، حتى زاحمت آذان المغرب وتلاوة القرآن الكريم، وأخذت وقتا أكثر من وقت المسلسل، فقطعته إلى 4 أجزاء تجاوزت كل وصلة إعلانية من وصلاته الأربع وقت المسلسل وبصورة غير متكررة فى أى مكان فى العالم، وأدت إلى «تطفيش» جمهور التليفزيون إلى «اليوتيوب» لمشاهدة المسلسل الرمضانى دون إعلانات.ولأنى أُفضل مشاهدة التليفزيون فقد اعتمدت على كاتم الصوت فى مسلسلى فلانتينو والاختيار، ونظمت وقتى لأقوم بأنشطة أخرى طوال وقت الإعلان حتى أستطيع القول إنى فلت تقريبا من مشاهدة كل الإعلانات، واكتشفت أن هناك كثيرا من الأصدقاء والأقارب قاموا بنفس الفعل، لأنه من غير المتصور أن يبقى شخص ساعتين أمام التليفزيون لمشاهدة مسلسل مدته نصف ساعة والباقى إعلانات معظمها ردىء.بمعيار السوق والمكسب والخسارة هذا النمط فاشل فى تسويق الإعلانات، فحين تُصر على التكرار وعلى انتزاع مساحة لا تخصك، فإنك ستنفر أغلبية الناس، صحيح أن هناك من سيضطر لأن يشاهدك نتيجة إلحاحك لكن تأكد أنك ستفقد أغلبية المشاهدين الذين يمكن أن تحافظ عليهم لو كان وجودك خفيفا وفى أوقات مناسبة.تخمة إعلانات زهّقت الناس ودفعتهم إلى البحث عن وسائل أخرى يشاهدون فيها ما يرغبون من مسلسلات أو برامج بعيدا عن إجبارهم على مشاهدة مسلسل «بحواشيه» التى بلغت ضعف وقته.والمؤسف أن بعض هذه الإعلانات كان سيئا، مثل أحد إعلانات التبرع لمستشفى الحروق الذى يستغل مصائب الناس من أجل التبرع بشكل غير إنسانى، كما كان إعلان أحد المدن الجديدة سيئا فى مضمونه لأنه لم يقدم رسالة الجدارة كطريق للصعود الاجتماعى والسكن فى مكان أفضل، إنما بحث عن تمايز شكلى ومظهرى استفز قطاعات واسعة من الناس فخرج سيل من الإعلانات الشعبية المضادة له.لا توجد صناعة تليفزيونية دون إعلانات، والمطلوب مراجعة جذرية فى هجوم «الإعلان المتطفل» الذى يطارد الناس مع القرآن الكريم وأذان المغرب والمسلسل والفيلم ونشرة الأخبار ليعود كما كان إعلانا مبدعا يحمل مضمونًا وضيفًا خفيفًا يحبه الناس ويؤثر فيهم.