بقلم:عمرو الشوبكي
أثار حفل افتتاح أوليمبياد باريس الكثير من الإعجاب والكثير من النقد، خاصة فى منطقتنا العربية، فقد نجحت فرنسا فى تقديم عمل فنى رائع تضمن استعراضات معقدة ومبهرة على مساحة مفتوحة وليس ملعبًا مغلقًا، ظهرت فيها صور الجمال المختلفة فى قلب باريس، التى حافظ أهلها على رونقها المعمارى وبريقها التاريخى دون تشويه ببناء طريق سريع أو كوبرى أو مبنى شاهق يأتى على حساب مبنى صغير قديم. وقد استعرض العرض صورًا مختلفة لجمال مدينة النور من الإضاءة المبهرة لبرج إيفل، الذى كان محور الحدث حتى حدائق «التروكاديرو» وانتهاء بقوس النصر وساحة الكونكورد حيث المسلة المصرية.
أما النقد فتركز على بعض اللقطات السريعة التى عرضت المثلية الجنسية، وهو نقد مشروع منسجم مع منظومة القيم السائدة فى بلاد الشرق بكل تنوعاتها الثقافية والحضارية، إلا أنه بدا لافتًا أن هذا النقد صاحبه خوف من انهيار قيم مجتمعاتنا بسبب هذه اللقطات، وغابت أى مناقشة لباقى جوانب العمل الفنى، بحيث أعطت انطباعًا وكأن مجتمعنا هشٌّ ثقافيًّا يمكن أن تخترقه لقطة أو لقطتان فى استعراض فنى، وتجعل أغلب الناس يتحولون نحو ما شاهدوه.
إن مجتمعنا ترفض منظومة قيمه التطبيع مع المثلية الجنسية، كما ترفض ازدراء الأديان دون ادعاء أو ترويج لتدين شكلى، فهو موقف أصيل وحقيقى لا يلغى أن هذه الظاهرة موجودة فى كل المجتمعات سواء فى الخفاء أو العلن، ولكن ثقافة مجتمعاتنا ومنظومة قيمه ترفض مَن يروجون لفكرة أنهم جنس ثالث جديد من حقهم أن يتزوجوا ويتبنوا أطفالًا ويفرضوا عليهم أن يتربوا فى «بيت المثلية»، الذى رفضته بعض الدول الأوروبية.
رفض هذه اللقطات فى مجتمعاتنا راسخ دون تصنع أو مزايدة من أحد، لكن أن نختزل افتتاح دورة الألعاب الأوليمبية فى هذه اللقطات، ويشعر الكثيرون منّا أننا مُهدَّدون، وكأن مجتمعنا وثقافتنا وحضارتنا الضاربة فى جذور التاريخ ستنهار بسبب هذه اللقطات، فهذا غير معقول.
علينا أن نثق فى أنفسنا أكثر، وأن نختلف ونتفق دون أن نتصور أن مشهدًا هنا أو هناك سيهدم حضارتنا (لأنها ليست بهذا الضعف) تمامًا مثلما يتعامل البعض مع مشاهد الانحراف فى السينما، ويقول إنها ستهد قيم المجتمع حتى وصلنا إلى اعتبار مشاهد الفقر تسىء إلى سمعة مصر كما جرى فى فيلم ريش. يقينًا هذه الأمثلة تختلف عن مسألة الترويج للمثلية، ولكنها تتشابه معها فى نقطة واحدة، وهى فى إحساس بعضنا بالضعف الشديد أمام أى مؤثر خارجى رغم أننا أقوى من ذلك بكثير. سيبقى أمرًا إيجابيًّا أن يتمسك مجتمعنا بالفطرة السليمة، لكن عليه أيضًا أن يشعر بالثقة فى النفس وفى حضارته ومنظومة قيمه لأن تقريبًا كل حضارات العالم ترفض الخيار الغربى فيما يتعلق بالتعامل والتطبيع مع المثلية الجنسية.