بقلم:عمرو الشوبكي
لا يمكن اعتبار جريمة قتل ١٠٠ مدنى فلسطينى فى مدرسة التابعين، أمس الأول، أثناء صلاة الفجر، جريمة عابرة، إنما هى سلوك متأصل فى بنية العقلية اليمينية المتطرفة التى تحكم إسرائيل، والتى هيمنت على جانب كبير من الرأى العام.
لا يمكن التعامل مع ما جرى على أنه خطأ فى الحسابات، إنما هو سلوك هدفه القتل المتعمد مع سبق الإصرار والترصد، فلم يشهد العالم حربًا سقط فيها ما يقرب من ٥٠ ألف إنسان على هذه المساحة من الأرض وبين هذا العدد المحدود من السكان (٢ مليون)، فالدولة العبرية تعتبر القتل هدفًا بغرض الترويع والانتقام من البشر وليس حركة حماس، وهو ليس حدثًا عرضيًّا أو استثنائيًّا فى حرب تدور بين مقاتلين كما الحرب الروسية الأوكرانية، التى هدفها ليس قتل المدنيين، إنما السيطرة على الأرض وهزيمة الجيش الآخر.
لقد قام المشروع الاستيطانى الإسرائيلى على مسألة «الإحلال»، منذ نكبة ٤٨ وحتى الآن، أى العمل على تهجير السكان الأصليين من الفلسطينيين وإحلالهم بسكان يهود، واستمر هذا المشروع حتى الآن، وأخذ فى بعض الفترات شكلًا سلميًّا ودعائيًّا (دينيًّا وثقافيًّا) بسعى إسرائيل إلى أن تصبح «نموذجًا» لكل يهود العالم، وتغرى بعضهم للقدوم إليها والعيش فيها، حتى لو كانوا يحملون جنسيات بلدان أخرى، ولم تقبل بأن تعطى هذا الحق للفلسطينيين الذين يعيشون فى مخيمات خارج فلسطين، ورفضت فى كل مفاوضات السلام أن تعطى «حق العودة» لأى فلسطينى يعيش خارج أرضه التاريخية.
هدف إسرائيل من حرب غزة لم يعد حاليًا هزيمة مقاتلى حماس، إنما تهجير، ولو جانب من المدنيين، وتقسيم غزة إلى ٣ أو ٤ أقسام حتى يمكنها السيطرة الأمنية عليها، ولتحقيق هذا الهدف تحول قتل المدنيين إلى هدف.
الحجة الإسرائيلية لتبرير هذه الجريمة البشعة تقول إن هناك مركز قيادة تابعًا لحركة حماس موجودًا فى المدرسة، ورغم أن إسرائيل اعتادت ترويج الأكاذيب لتبرير جرائمها، فإنه لو صح كلامها هذه المرة فإن حماس باتت مطالبة بإنهاء العمليات القتالية فى غزة، ولو من جانب واحد، وسحب وجود أى مقاتلين وسط المدنيين لأنه لم تعد لديها القدرة مؤخرًا على توجيه أى ضربات تُذكر للجيش الإسرائيلى كما كان فى الأشهر الستة الأولى، وأصبح الآن مَن يقتلون ويدفعون الثمن الباهظ هم المدنيون الفلسطينيون دون أى خسائر تُذكر لدى جيش الاحتلال.
لقد انتهى دور عملية ٧ أكتوبر، وصمدت حماس لأشهر عديدة، وحان الوقت لكى تقوم بواجبها فى حماية المدنيين، حتى لو لم تحترمه إسرائيل، ولم يؤدِّ إلى وقف فورى لإطلاق النار، إنما هو بات أمرًا مطلوبًا مادام دور المقاومة المسلحة فى غزة قد انتهى تقريبًا، فحان وقت إعلان استراحة محارب، واعتبار حماية المدنيين فى اللحظة الحالية هو الهدف.