بقلم - عمرو الشوبكي
جملة كثيرا ما ترددها أجهزة الدولة لتبرير حالة الفوضى والعشوائية التى تعرفها المدن المصرية بالقول إن ذلك بسبب «سلوك المواطنين». والحقيقة أن السلوك السيئ لكثير من المواطنين يرجع أساسًا لغياب تطبيق القانون أو لتطبيقه بشكل انتقائى، فالناس لا تولد بسلوكيات رديئة أو متحضرة، إنما هى كلها أمور تكتسب من البيئة المحيطة ومن النظام العام.
والسؤال: لماذا لا يحترم الناس إشارات المرور وقواعد السير والبناء.. ولماذا نسمع الضجيج وميكروفونات الأغانى والأدعية بأصوات ما أنزل الله بها من سلطان؟.. والإجابة ببساطة، لأنه لا يوجد قانون قابل للتنفيذ على أرض الواقع على الجميع، فإما أنه يتحدث عن عقوبات خيالية يعرف الجميع أنها لن تنفذ وتفتح الباب للرشوة، مثل نظرية تغليظ العقوبة على المخالفين، التى يتبارى الجميع منذ سنوات فى ترديدها ويتناسون أن المشكلة فى تنفيذ العقوبة من الأصل لا فى تغليظها.. لو وُضعت مثل كل بلاد الدنيا قاعدة قابلة للتطبيق على الجميع من سائق الميكروباص والمرسيدس حتى السيارة الخاصة والعامة، نكون تقدمنا خطوة فى اتجاه تنظيم شوارعنا ومدننا.
والحقيقة أن مشهد السير فى الشوارع المصرية أصبح نموذجاً للفوضى والتسيب، من الصعب أن تجده فى معظم البلاد العربية بما فيها البلاد غير النفطية مثل المغرب العربى.
مطلوب التمييز بين نوعين من الخطأ: مخالفة مرورية عادية بقيمة محدودة قادر الجميع على دفعها وتنفذ، وفى حال تكرارها تُغلظ.. ومخالفة مرورية «تعرّض حياة الآخرين للخطر» وهى من اللحظة الأولى مغلظة مثل كسر الإشارة (إن وجدت)، السير عكس الاتجاه فى الطرق السريعة (ولو تكررت تُسحب الرخصة من الجميع: صاحب الواسطة ومن هو بدونها).
مازلت أذكر حين كنت طالبا للدكتوراة فى باريس فى منتصف تسعينيات القرن الماضى، وحدث إضراب شامل وغير مسبوق لكل المواصلات العامة، فالمعتاد أن يكون الإضراب جزئيا أى تتوقف عن العمل عربتان أو ثلاث للمترو وتعمل واحدة، وفى نفس الوقت تعمل الباصات، ولكن هذه المرة توقفت بشكل كامل المواصلات وتغيرت صورة الحياة.
«سلوك المواطن» تغير مع تغير الظروف المحيطة، رغم أنه بلد قانون ومتحضر، فشاهدت بعينى الأكتاف غير القانونية المتبادلة بين الناس للوصول إلى سيارات التاكسى والشجار والصوت العالى، وتراجع كثير من المشاهد الراقية التى كانت تحكم الشارع الفرنسى فى التعامل مع العجائز والسيدات رغم التراكم الحضارى وعمق الثقافة، لأن الواقع الاجتماعى تغير للأسوأ، ولأن القانون الذى ينظم سلوكيات الناس تراجع.
لا يوجد بلد مشكلته فى سلوكيات مواطنيه، إنما ستظل أساسا فى البيئة المحيطة بهؤلاء المواطنين، وفى قدرة الدولة على تطبيق القانون وإعماله وحجم الصعوبات التى تواجهها نتيجة كفاءة المؤسسات المنوط بها تنفيذ القانون والإصلاحات المطلوب إجراؤها.. وهى كلها أمور يجب القيام بها بعيدا عن نظرية سلوك «الشعب الجاهل».