بقلم:عمرو الشوبكي
من تابع الانتخابات التشريعية الفرنسية الأخيرة، ومن يتابع الانتخابات الرئاسية الأمريكية، سيجد أن هناك تحولات حدثت فى هذه المجتمعات مرتبطة بظهور أجيال جديدة من حملة جنسية هذه البلدان، أصولهم من بلاد أخرى.. وهو الأمر الذى انعكس على خطاب الأحزاب القائمة، وأصبح المواطنون من أصول مهاجرة فى قلب الاستقطاب السياسى بين نوعية من اليسار واليمين فى فرنسا، والديمقراطيين والجمهوريين فى الولايات المتحدة.
اللافت فى تجارب كثير من البلاد الأوروبية الانتخابية، خاصة فرنسا، أنها أظهرت حجم التحولات الاجتماعية والسياسية، مع تبلور كتلة تصويتية كبيرة من أبناء وأحفاد المهاجرين ممن حملوا جنسية البلد الجديد، وصاروا مواطنين لهم حق الترشح والانتخاب، وهنا بدأت الخريطة السياسية فى التغير، وأصبح الموقف منهم يشكل أحد أوجه الانقسام السياسى والتنافس الحزبى والانتخابى فى أوروبا.
فكما أن حزب التجمع الوطنى، ممثل اليمين المتطرف، يعتمد على تصويت الرافضين للمهاجرين الأجانب والمتشككين فى انتماء الفرنسيين من أصول عربية «للعلمانية الفرنسية»، وفى قدرتهم على أن يصبحوا مواطنين «كاملين» مثل الفرنسيين «الأصليين» من أصحاب البشرة البيضاء، ويحصل على تصويت غالبية هذه الكتل التصويتية.
يقابل هذا المخزون الانتخابى الكبير لأقصى اليمين مخزون آخر أقل حجمًا من الأوروبيين ذوى الأصول المهاجرة.. وهنا سنجد أن حزب فرنسا الأبية بقيادة «ميلنشون» أصبح يستقطب أصوات ملايين الفرنسيين من أصول مهاجرة بسبب دفاعه عن حقوقهم القانونية والسياسية، ومطالبته بضرورة مساواتهم الكاملة مع باقى الفرنسيين، وليس أساسًا بفضل برنامجه اليسارى القائم على زيادة الضرائب على الأثرياء والشركات الكبرى ورفع الحد الأدنى للأجور.
وإذا حللنا خطاب «ميلنشون» أثناء الحملة الانتخابية الأخيرة فسنجد إنه قال فى أحد مؤتمراته: «حين كنت شابًا، كانت تقريبًا نسبة الفرنسيين من أصول مهاجرة ١ إلى ١٠، أما الآن فقد أصبحوا ١ إلى ٤»، وأضاف: «آباؤكم وأجدادكم بنوا فرنسا، وإياكم أن تقبلوا من أحد أن يفرزكم على أساس أصولكم العرقية، أو يعتبر أن حقوقكم أقل من باقى الفرنسيين». وختم حديثة معلقًا على قلة عدد المشاركين فى الجولة الأولى من الانتخابات باستخدام كلمة عربية: «حشومة».
الانقسام حول كتل الأوروبيين من أصول مهاجرة أصبح واقعًا.. صحيح أنهم لا يحملون جميعًا موقفًا سياسيًا واحدًا، فهناك من يرى نفسه جزءًا من المنظومة الثقافية والاجتماعية الغربية، إلا ملامح وجهه المختلفة، كما كانت حالة رئيس وزراء بريطانيا السابق «ريشى سوناك» وغيره، إلا أن الغالبية لا ترى ذلك وباتت تتجه لدعم أحزاب تتبنى خطابًا ومواقف سياسية فى صالح حقوق الأوروبيين من أصول مهاجرة، وتكرس ثنائيات جديدة فى مجال السياسة تقوم على خلاف عميق بين تيارين، أحدهما يرى ضرورة تعزيز حقوق «الغربيين» من أصول مهاجرة، وآخر يعمل على تقليصها ولو طال يتم إلغاؤها.