بقلم:عمرو الشوبكي
تستعد تونس لإجراء انتخابات رئاسية، الشهر المقبل، سيتنافس فيها ثلاثة مرشحين، بجانب الرئيس قيس سعيد، فى نفس الوقت منعت الهيئة «المستقلة» للانتخابات قبول ترشح ثلاثة مرشحين آخرين أصدرت المحكمة الإدارية حكمًا لصالح ترشحهم، يُفترض أنه حكم نهائى وباتّ، ولكن الهيئة «غير المستقلة» للانتخابات لم تحترم حكم القضاء، ولم تلتزم بقبول ترشحهم.
وقد كان أبرز هؤلاء المرشحين هم عبداللطيف المكى، الذى كان قياديًّا فى حركة النهضة، واختلف معها، وأسس حزبًا جديدًا أشد انفتاحًا وقبولًا بالقواعد الجديدة للنظام القائم، وأيضًا منذر الزنادى، الذى يُعد من وزراء الصف الأول فى عهد الرئيس الراحل زين العابدين بن على، ولديه حاضنة شعبية كبيرة وخطاب مدنى حداثى يستفيد من حنين قطاع واسع من الناس إلى العهد السابق، ويختلف مع خطاب «سعيد»، الذى يميل إلى العموميات، التى كثيرًا لا تشتبك مع مشاكل الواقع الحقيقية، ولا يؤمن بالمؤسسات الوسيطة، (أحزاب ونقابات)، حتى لو أبقى عليها.
والحقيقة أن هذا القرار أضر بالعملية الانتخابية، ويُعتبر واحدًا من أكثر القرارات الخاطئة التى جرت فى تونس فى السنوات الخمس الأخيرة لأنه قضى على فرصة إجراء انتخابات تنافسية، حتى لو فاز فيها الرئيس سعيد، وأيضًا بناء مسار آمن وشرعى لإدارة الخلافات السياسية وتداول السلطة.
وقد تميزت تجربة تونس طوال العهد الحالى بوجود هامش سياسى لم تستفد منه المعارضة بالصورة المطلوبة، صحيح أن هناك قيودًا فُرضت على حرية الرأى والتعبير وملاحقات أمنية طالت قيادات سياسية مدنية وليس فقط قادة حركة النهضة، إلا أن طبيعة النظام الحالى تسمح بإدارة معركة سياسية وانتخابية «بالنقاط»، يمكن أن تدفع الرئيس إلى توسيع هذا الهامش السياسى والديمقراطى.
وقد ميز التجربة التونسية منذ ثورتها حتى الآن أن أطرافها السياسية كلها كانت مدنية، كما أن رئيسها الحالى أستاذ قانون دستورى وجامعى جاء من خلال انتخابات ديمقراطية حقيقية حصل فيها على ٧٦٪ من أصوات الناخبين، وهو رجل قادم من خارج النخب والأحزاب السياسية السائدة مثلما يحدث فى ديمقراطيات كثيرة، ويعتبره كثير من الناس منقذهم.
صحيح أن الدستور الجديد أعطى صلاحيات واسعة للرئيس غير متعارف على كثير من نصوصها فى النظم الرئاسية الديمقراطية، إلا أن طبيعة النظام والأطراف الفاعلة داخله تجعله من الصعوبة استمراره دون الاحتفاظ بهذا الهامش السياسى.
فى تونس يوجد كيان نقابى عملاق، اسمه الاتحاد التونسى للشغل، له قاعدة اجتماعية كبيرة، ولا تُديره أجهزة الدولة، وأيد قرارات قيس سعيد فى البداية، واختلف معه حاليًا، وطالب بضرورة احترام أحكام المحكمة الإدارية، ومع ذلك لا يستطيع الرئيس حله أو إلغاءه.
إهدار لجنة الانتخابات «غير المستقلة» لحكم القضاء قرار خاطئ ومخاطرة كبيرة ستكون لها تداعيات فى المستقبل المنظور على المشهد السياسى الحالى فى تونس.