بقلم : عمرو الشوبكي
وقَّع الرئيس الراحل أنور السادات على اتفاق صلح بين مصر وإسرائيل استعادت بمقتضاه مصر أرضها المحتلة فى سيناء، ولكنه لأسباب كثيرة لم ينجح فى الوصول إلى تسوية شاملة للصراع العربى- الإسرائيلى، خاصة فيما يتعلق باستعادة الحقوق المشروعة للشعب الفلسطينى.
ومنذ ذلك التاريخ، وربما قبله، عرفت مصر والدول العربية والشرق أوسطية تيارين: الأول تيار ممانع أو مقاوم، وآخر معتدل أو سلمى، اعتادا أن يتصارعا أو يختلفا، ولم يفكرا أن يتعاونا أو على الأقل أن يديرا خلافاتهما للصالح العام، أى لصالح الوصول لتسوية عادلة للصراع الفلسطينى- الإسرائيلى.
فعقب معاهدة السلام المصرية- الإسرائيلية ظهرت جبهة الصمود والتصدى التى ضمت ٥ دول، أبرزها نظاما البعث فى العراق وسوريا، اللذان حاربا بعضهما البعض ولم يحاربا إسرائيل، وسرعان ما تفككت هذه الجبهة وانتقلت منظمة التحرير الفلسطينية من محور «الصمود والتصدى» إلى الاعتدال، ودخلت فى مسار التسوية السلمية عقب توقيعها على اتفاق أوسلو فى ١٩٩٣ الذى كان يُفترض أن يؤدى إلى بناء دولة فلسطينية، وقضت عليه حكومتا شارون ونتنياهو بنشر المستوطنات والإنهاء الفعلى والتدريجى لفرص التسوية السلمية.
وقد فتح هذا المسار الطريق أمام تصاعد تيار الممانعة العربية حتى تبلور فى صورة جديدة أكثر كفاءة (بالمعنى النسبى) مع إيران وعدد من التنظيمات المسلحة.
والحقيقة أن من ينظر إلى مصر حاليًا أو حتى إيران أو تركيا سيجد أن فى مصر خطًا رسميًا مدعومًا من تيار شعبى يرى ضرورة التمسك بخيار الاعتدال والتسوية السلمية، وأن الأولوية هى للمصلحة الوطنية وحل المشاكل السياسية والاقتصادية وعدم التورط فى أى حروب أخرى «من أجل فلسطين»، يقابله تيار شعبى يدعم المقاومة ويعتبرها هى البديل الوحيد للوقوف فى وجه الجرائم الإسرائيلية.
وفى إيران، التى تعتبر قاعدة محور الممانعة والمقاومة، سنجد داخلها تيارًا آخر يرى ضرورة أن تطبع علاقتها بالغرب ولا تدخل فى أى صراع مع إسرائيل، ويعتبر أن الإنفاق على الأذرع الإيرانية غير مفيد لإيران وأضر بوضعها الاقتصادى، وأن الشعب الإيرانى أولى بهذه الأموال التى تُنفق خارج الحدود.
أما فى تركيا، ورغم أن أردوجان وحزب العدالة والتنمية يدعم القضية الفلسطينية على مستوى الخطابين السياسى والإعلامى، ويشن حملات قاسية ضد إسرائيل، ويدافع فقط سياسيًا عن حركة حماس، فإن هناك تيارًا آخر يمينيًا علمانيًا يرى أن تركيا يجب أن تكون جزءًا من التحالف الغربى ويدين تنظيمات الإسلام السياسى، ولولا بشاعة الجرائم الإسرائيلية فى استهداف المدنيين لكان لصوت هذا التيار الغلبة فى رفض حماس وفصائل المقاومة الإسلامية المسلحة.
ورغم أنه فى داخل كل بلد يتعايش التياران بدرجات مختلفة ولو بصعوبة، إلا أنه حان الوقت أن يبحث المعتدلون والمتشددون على جوانب مشتركة تحترم الخلاف بينهما، وتعتبره إحدى وسائل الضغط على إسرائيل لإنهاء الاحتلال.