بقلم:عمرو الشوبكي
يمكن أن يكون الثأر والانتقام حاكما لرد فعل دولة أو أشخاص فى مواجهة من يهاجمونها، وتقول يجب أن ترد وتثأر لما حدث لها، لكن لا يمكن أن تختزل هذه الدولة كل تحركاتها وتحول رد الفعل المؤقت إلى فعل دائم قائم على الثأر والانتقام كما تفعل إسرائيل على مدار ما يقرب من عام عقب عملية ٧ أكتوبر.
وقد ذكرنا كثيرا مع غيرنا أن دول العالم الثالث التى عانت من ويلات الاحتلال والاستعمار لا يجب أن تؤسس سياستها بعد الاستقلال على الانتقام من المستعمر ولا تبنى مشروعها المستقل وهى أسيرة الحقبة الاستعمارية وتحملها كل مشاكلها التى تواجهها حتى بعد الاستقلال.
فلا يمكن مثلا لبلدان استقلت مثل مصر والجزائر والمغرب ومعها دول إفريقيا أن تقول إن مشاكلها الحالية بعد ٧٠ عاما من الاستقلال هى بسبب الاستعمار، أو كما كان يقال أحيانا فى مصر إن مشاكلنا بسبب الحروب مع إسرائيل وهو صحيح جزئيا فى فترة سابقة، ولكن لا يمكن اعتباره السبب الرئيسى وراء أى أزمة بعد مرور أكثر من نصف قرن على حرب أكتوبر.
وإذا كان هذا المنطق لا يجب أن يحكم رد فعل بلاد عانت من الاحتلال والاستعمار، فإن الحالة الإسرائيلية تبدو لافته لأنها فى الحقيقة تمارس رد فعل انتقاميا ضد شعب تحتله وليس دولة تحتلها، كما أنه جاء ضد عملية مسلحة قامت بها حماس فى ٧ أكتوبر وقتلت وأسرت مدنيين وعسكريين، صحيح أنها زلزلت كيان الدولة العبرية إلا أنها لم تحتل إسرائيل وتنكل بشعبها لسنوات حتى نقول إن من الوارد أن تنتقم، وتمارس التطهير العرقى والإبادة الجماعية.
اختيار الانتقام كإطار يحكم العمليات الإسرائيلية فى غزة يعنى استسهال القتل والاستباحة وينظر إلى الفلسطينيين باعتبارهم بشرا درجة ثانية فكيف يمكن أن يكون لهم صوت ويجرؤون على الهجوم على إسرائيل؟ لأن دولة الاحتلال هى التى من حقها أن تهاجم وتقتل دون حاسب، وليس من حق الفلسطينيين أن يردوا أو يئنوا.
الانتقام والثأر كإطار حاكم للعمليات الإسرائيلية لسان حالة يقول «كيف جرؤتم أيها الفلسطينيون أن تقوموا بهذه العملية؟»، ونحن نعتبركم «أغيارا» ونهتف فى شوارعنا «العربى الطيب هو من مات»، فالانتقام بهذه الطريقة يعنى أن هناك طاقة عنصرية واستعلاء وكراهية كامنة داخل المجتمع والنخبة الإسرائيلية انفجرت فى وجه الشعب الفلسطينى، لأنه لم يحدث فى تاريخ الحروب الاستعمارية المعاصرة أن أصبح الهدف هو فقط أو أساسا الانتقام والثأر وقتل المدنيين وترويعهم.
عمقت الحكومة الإسرائيلية خيار الثأر والانتقام داخل المجتمع من أجل توظيفه لأغراض سياسية تخدم مصالح نتنياهو واستمراره فى السلطة وعدم محاسبته، ليصبح خيار الانتقام وترويع المدنيين ليس خيار نخبة حاكمة إنما أيضا خيار تيار واسع داخل المجتمع.