بقلم: عمرو الشوبكي
استضافت قطر مؤتمرًا للمصالحة بين الحكومة الأفغانية وحركة طالبان برعاية أمريكية، وبدا الأمر مدهشًا لكثيرين حين وجدوا الولايات المتحدة تتفاوض مع حركة صنفتها إرهابية، وطرح السؤال حول عناصر القوة ونقاط الاختلاف التى تتميز بها طالبان مقارنة بجماعات تطرف وإرهاب أخرى فرضت على الولايات المتحدة أن تدخل معها فى مفاوضات سلام وبحضور رأس الدبلوماسية الأمريكية مايك بومبيو.
اختلفت طالبان عن باقى إخوانها المتطرفين لسببين رئيسيين: الأول أن نظرة قطاع واسع من الشعب الأفغانى للوجود الأمريكى على أنه قوة احتلال، حتى لو شكل حكومة وطنية، فقد اعتبرتها طالبان وتيار واسع من الشعب الأفغانى مصنوعة أمريكيًا، وقد يرى البعض أن هذا وضع شبيه بالعراق عقب الغزو الأمريكى فى 2003، ومع ذلك لم تتفاوض أمريكا مع القاعدة ولا مع داعش.
والحقيقة أن هذا صحيح، والسبب فى ذلك يتعلق بالفارق بين البيئة الاجتماعية الحاضنة لداعش وبين طالبان، فالأول تنظيم متطرف مغلق خسر بيئته السنية الحاضنة بعد أشهر قليلة من سيطرته على عدد من المدن العراقية، فى حين أن طالبان ظلت لديها بيئة حاضنة متعاطفة معها فى أفغانستان، خاصة أنها حرّمت قتل المدنيين غير المشاركين فى القتال، كما أنه (وهذا هو الأهم) ينتمى معظم أفرادها إلى القومية البشتونية التى يتركز معظم أبنائها فى شرق وجنوب البلاد ويمثلون حوالى 48% من تعداد أفغانستان البالغ حوالى 28 مليون نسمة.
والحقيقة أن البيئة القومية والقبلية والدينية المتجذرة فيها طالبان جعلت هناك استحالة لاستئصالها، ولو كانت مجرد تنظيم دينى متطرف مهما كان توجهه (إخوان مسلمين أو داعش أو القاعدة أو سلفية جهادية) فإنه يمكن استئصاله أو تهميشه، إنما من يمتلك قاعدة اجتماعية تستند إلى قومية أو قبيلة أو منطقة أو عرق، فإنه لا يمكن القضاء عليه بالقوة أو استئصاله من المشهد.
لذا رغم القبضة الحديدية التى يمارسها الجيش التركى فى مواجهة التنظيمات الكردية المسلحة، إلا أنها ظلت موجودة لكون قضيتهم تستند إلى دعم أو تعاطف قومية بأكملها أو قطاع غالب فيها، فيستحيل إقصاؤها.
ستبقى التحديات التى تواجه حوارات الدوحة (وهى مثيرة وتحتاج بالفعل لمتابعة صحفية وبحثية) فى النقاش حول صفقة تبادل الأسرى، والأخطر والأهم حول شكل الدولة الأفغانية التى تتمسك طالبان بأن تكون إسلامية، وتريد العودة بعقارب الساعة إلى الوراء فيما يتعلق بفرض قيود على المرأة أقل مما فرضته حين كانت فى السلطة، ولكنها أكثر بكثير مما هو موجود الآن.
لم يعد يشغل بال الأمريكان كثيرًا قضية مدنية الدولة فى أفغانستان ولا المنطقة، فهى حريصة على مصالحها وسحب جنودها، وستقبل بحكم إسلامى تصنفه معتدلًا، فيه شراكة (مازالت صعبة) بين طالبان والحكومة الحالية، أخشى أن تكون خطوة لعودة طالبان للحكم مرة أخرى.