بقلم - عمرو الشوبكي
فتحت قضية مقتل الشاب الأمريكى جورج فلويد على يد أحد رجال الشرطة الأمريكيين ملف جرائم الشرطة فيما يتعلق بالأقليات العرقية، وعلى رأسهم ذوو البشرة السمراء.
وقد تصور البعض أن ملف إصلاح الشرطة يمكن حله بالشعارات مثلما جرى فى بعض تجارب الانتفاضات العربية، فى حين أن الواقع يقول إنه من أعقد الملفات حتى فى البلاد الديمقراطية، سواء على المستوى القانونى أو السياسى، خاصة فى ظل ارتفاع معدلات الجريمة واستهداف رجال الأمن.
والمعروف أن هناك حصانة قانونية لرجال الشرطة فى أمريكا عن طريق نص «الحصانة المؤهلة» الذى صدر عام 1967، وينص على أنه من حق المواطن الأمريكى شكوى رجل الشرطة إذا ارتكب جريمة بحقه بشرط أن يثبت أن هذه الجريمة هى الثانية وأنه سبق وارتكب أولى بحق آخرين، وهو أمر صعب إثباته، بما يعنى هروب الكثيرين من دائرة المحاسبة.
ويلاحظ أنه عقب قتل فلويد أصبح هناك اتجاه قوى لتعديل هذا النص، ووضع سجل وطنى لتتبع سلوك رجال الشرطة منذ التحاقهم بالعمل وحتى بلوغهم سن التقاعد، ويحق للسلطات القضائية أن تنظر فيه على ضوء أى شكوى مقدمة من أى مواطن.
أما على المستوى السياسى، فيلاحظ أن هناك نقابات شرطة قوية تدافع عن حقوقهم بشراسة، كما أن الأهم أن آخر استطلاع للرأى فى أمريكا قبل حادثة فلويد أعطى 79% من الشعب الأمريكى ثقتهم فى جهاز الشرطة فى مقابل 50% للكونجرس، وهو ما جعل كثيراً من السياسيين يتعاملون بحذر مع هذا الملف خوفاً من أن يخسروا شعبيتهم.
والمؤكد أن جريمة قتل جورج فلويد استفزت قطاعا كبيرا من الأمريكيين بمن فيهم الداعمون للشرطة، وجعلت خيار الإصلاح التدريجى الذى لا يستهدف المؤسسة ولا يقلل من تضحياتها هو الخيار الراجح، فصدرت توجيهات بإيقاف عملية القبض على المتهمين بالخنق، ورفض مطلب إيقاف تمويل الشرطة ليس فقط من قبل ترامب، إنما من منافسه الديمقراطى جو بايدن، الذى تبنى الإصلاحات التدريجية.
والمؤكد أن هذه الحادثة البشعة جعلت الغلبة للصوت المدنى والإصلاحى الذى يرغب فى إجراء إصلاحات عميقة فى الشرطة دون أن يعنى ذلك اختفاء الصوت المحافظ الذى لا يعطى أولوية للإصلاح الجذرى ولا يرى أن الشرطة بحاجة له من الأصل. تماما مثلما فى سياق آخر كحادثة إرهابية أو جريمة منظمة يسقط على أثرها عدد كبير من رجال الشرطة، فيكون التعاطف مع التيار المحافظ الذى يطالب بتقديم تسليح أكثر للشرطة وغطاء قانونى أكبر لحق الدفاع عن النفس واستخدام السلاح.
ستبقى قضية إصلاح الشرطة عملية معقدة، وشرط نجاها هو ألا تبدو أنها تستهدف جهاز الشرطة ككل أو تضعه فى موضع الاتهام، إنما يكون لديها القدرة على إقناع الجميع، مجتمعاً وشرطةً، بأنهم مستفيدون من هذا الإصلاح.