بقلم - عمرو الشوبكي
المحاكمة التى وصفها الفرنسيون بالتاريخية حملت تفاصيل ومعارك قانونية عميقة، فقد استمرت 10 أشهر، وحضرها عشرات المحامين ومئات الشهود و415 مُدَّعٍ بالحق المدنى، كما طلبت المحكمة حضور باحثين متخصصين لمساعدتها على فهم ظاهرة العنف والتطرف، فحضر الباحث الفرنسى، الشاب «هيجو ميشرون» (Hugo Micheron)، الذى له كتاب شهير يحمل عنوان «الجهاديون الفرنسيون.. أحياء سوريا سجن»، حيث أجرى مقابلات مع العناصر المتطرفة، وخاصة فى السجون، وخرج باستخلاصات مهمة فى هذا المجال.
واستمعت المحكمة مطولًا أيضًا لآراء خبراء أمنيين، بجانب عشرات الصحفيين، ولم تُنقل أى من جلسات المحكمة على الهواء فى أى قناة تليفزيونية.
المحامية الفرنسية الشهيرة، «أوليفيا رونن»، التى ليست لها أى أصول عربية أو إسلامية، دافعت عن صلاح عبدالسلام بقوة، وبدَت مقتنعة بأنه شاب بسيط غُرِّر به، وهو دفاع تم دحضه بذهاب «عبدالسلام» إلى سوريا، ثم إنه حمل حزامًا ناسفًا وكان ينوى قتل عشرات الأبرياء، وإلقاؤه بالحزام وعدم تنفيذه العملية الانتحارية خوفًا على حياته لا يعنى أنه كما اعتبرت المحكمة لم يكن عضوًا محاربًا فى تنظيم الدولة.
لم تستضف كل القنوات الفرنسية أيًّا من المحامين الذين دافعوا عمّن أُدينوا بالإرهاب، وعلى رأسهم صلاح
عبدالسلام، واكتفت بعرض ما يقولونه بشكل سردى فى الصحف المختلفة، فى حين استضافت على شاشاتها إما باحثين مستقلين أو صحفيين أو مُدَّعين بالحق المدنى بجانب بالطبع أهالى ومحامى الضحايا، ولم يكن هناك نقاش «ديمقراطى» مثلًا بين أهالى الضحايا ومحامى المدانين بالإرهاب على سبيل الإثارة ورفع نسب المشاهدة، إنما كان الحضور الإعلامى فقط لضحايا الإرهاب وليس مَن قاموا به.
صحيح أن الصحافة الورقية نشرت ما يقوله المحامون سواء مَن كانوا مع أهالى الضحايا أو مع مَن أُدينوا بالإرهاب، وعرضت بشكل سردى «بارد» ما قالته محامية صلاح عبدالسلام، وهو أمر مفهوم فى الصحافة الورقية، التى لا يزال يُنظر لها على أن لها اليد العليا فى التوثيق والتأريخ، على خلاف القنوات التليفزيونية، التى تحضر فيها الصورة والمشاعر الحية التى يمكن أن تحول المناقشات بين الأطراف المختلفة إلى نقاش بين مَن يبرر الإرهاب ومَن يرفضه ويجعل استخدام العنف والسلاح كأنه وجهة نظر.
وصْف الفرنسيين المحاكمة بأنها «للتاريخ» حقيقى، فلم تشهد فرنسا فى تاريخها المعاصر عملية إرهابية بهذه القسوة وسقط فيها هذا العدد من الضحايا، ومع ذلك واجهت الدماء والإرهاب بالقانون وبأداء رفيع ومهنى للسلطة القضائية، التى أصدرت فى النهاية حكمها بالسجن المؤبد (مدى الحياة) على صلاح عبدالسلام، وأدانت بالمؤبد ثلاثة آخرين، أحدهم هو محمد عبرينى، الذى حصل على حكم بالمؤبد، يمكن له بعد 22 عامًا أن يطلب عفوًا لأنه استأجر سيارة استُخدمت فى العملية الإرهابية.