بقلم - عمرو الشوبكي
عادة ما تخرج عقب الانتخابات التشريعية التي يختار فيها الشعب نوابه بإرادتهم الحرة، تحليلات كثيرة من تقارير صحفية معمقة أو مراكز الأبحاث، تتجاوز رصد النتائج ونسب الفائز والخاسر، لتصل إلى تحليل ليس فقط الخلفية الاجتماعية والجيلية للنواب الجدد، إنما أيضا لناخبى كل حزب.
وقد اعتادت الصحافة العالمية أن تكتب تقارير كثيرة عقب التجارب الانتخابية المختلفة وخاصة في أوروبا وأمريكا، وكثيرا ما تنال انتخابات أمريكا الجنوبية وإفريقيا قدرا من الاهتمام كما جرى مع الانتخابات التونسية في 2019 ومصر في 2011.
والحقيقة أن تجربة الانتخابات التشريعية الأخيرة في فرنسا أخرجت العديد من التحليلات، كثير منها تحدث عن الصعود الكبير لليمين المتطرف الذي- لأول مرة منذ تأسيس الجنرال ديجول الجمهورية الخامسة- حصل على 89 مقعدا، وكانت نسبة منهم من الشباب (أقل من تحالف اليسار وأكثر من الديجوليين)، فقد كان هناك 10 نواب أقل من 30 عاما، وهناك 15 نائبا ما بين 60 و79 عاما، و23 نائبا ما بين 30 و39 عاما وهى نتيجة تعكس «شراكة جيلية» لافته تكررت مع كل الأحزاب بنسب متفاوتة.
فقد نجح لتحالف أحزاب اليسار بزعامة ميلنشون 3 نواب تحت 25 عاما منهم اثنان عمرهما 21 عاما، وهو يعتبر حدث تاريخى وغير مسبوق في فرنسا أن يكون هناك نائبان في البرلمان عمرهما 21 عاما. الأمر اللافت أن نصف نواب الحزب اليمينى المتطرف من كوادر عليا، على عكس ناخبيهم الذين في أغلبهم أقل تعليما ويعيشون في مناطق ريفية أو شبه ريفية، وهى مفارقة حلل أسبابها كثير من الكتاب والباحثين، أي ظاهرة انتخاب الفئات الأقل تعليما ودخلا، لنواب أكثر تعليما وثراء.
وقد اعتبر معارضو ماكرون أنه هو المسؤول عن صعود اليمين المتطرف «بتكسيره» الأحزاب التقليدية وخاصة اليسار الاشتراكى واليمين الديجولى، ومحاولته تقديم نفسه باعتباره فوق هذه الثنائية، وكانت النتيجة أن أصبح من يمثل اليمين هو اليمين المتطرف وليس المعتدل ومن يمثل اليسار هو اليسار المتطرف.
وقد عزز من هذا الرأى أن 60% من نواب اليمين المتطرف نجحوا بعد أن دخلوا جولة الإعادة أمام مرشحى الأغلبية الرئاسية، بما يعنى أن الأصوات التي نالوها كانت بالأساس تعبيرا عن رفض مرشحى الرئيس ماكرون، وليس بالضرورة دعما لهم.
ستبقى نتائج الانتخابات فرصة لدراسة التحولات الاجتماعية والسياسية للشعوب، والقضايا الجديدة التي تثير اهتمامها، خاصة مع تصاعد المشاكل الاقتصادية وضعف القوة الشرائية، وهى المشكلة التي اعتبرها الفرنسيون رقم 1 وبعدها أزمات النظام الصحى والمهاجرين، وهذا ما جعل حزب اليمين المتطرف- الذي لم يكن يتكلم تقريبا إلا عن خطر الهجرة والمهاجرين المسلمين- يعتبر تحسين الوضع الاقتصادى والدفاع عن السيادة الوطنية أولويات حزبه احتراما لأولويات الناس