بقلم - عمرو الشوبكي
يتوقع أن تواجه الجمعيات والمجالس القومية التى وظيفتها الدفاع عن قضايا المرأة وحقوقها جريمة التحرش، ولكن حين تقدم مؤسسة دينية تشكل هذه القضايا جانبا من اهتمامها وتواجه ليس فقط جريمة التحرش (وهو بديهى) إنما تفند بجرأة وشجاعة الحجج والمبررات التى يسوقها البعض لتبرير هذه الجريمة.العدد الأخير من صوت الأزهر يمكن اعتباره «عددا تاريخيا» مثل أعداد أخرى سابقة يمكن وصفها بهذا الاسم، فهو من ناحية عبر عن بصمة مهنية ورشيقة لرئيس تحريرها أحمد الصاوى، وعبر من ناحية أخرى عن التطور الذى حدث فى الأزهر وفى مضمون خطابة الدينى والإعلامى، فلم يكتف بإدانة جريمة التحرش إنما نسف خطاب تبرير التحرش الذى يروّج له بعض المتنطعين عديمى النخوة والرجولة بالقول إن السبب فى أن زى الفتاة قصير، البنطلون ضيق، هى غير محجبة، وجاء الأزهر واعتبر التحرش جريمة مكتملة الأركان «لا يجب الصمت أو غض الطرف عنها مهما كانت الأسباب»، وأن «ملابس المرأة أيا كانت ليست مبررا للاعتداء على خصوصيتها وحريتها وكرامتها» فى رد واضح على من سبق وقال على الهواء مباشرة إن الفتاة التى ترتدى بنطلون مقطع «اغتصابها واجب وطنى». كما رد على من يبرر بأن المتحرش قال كلمتين لا أكثر، فقال الأزهر: «وإن التحرش إشارة أو لفظا أو فعلا جريمة قانونية وإثم شرعى وانحراف سلوكى، وتجريم الفعل والفاعل يجب أن يكون مطلقا ومجردا من أى شرط أو سياق».المؤكد أن الأزهر فى عهد فضيلة الإمام أحمد الطيب شهد إصلاحات عميقة فى خطابه الدينى والإعلامى وفى مناهجه التعليمية، واتخذ الرجل مواقف كثيرة فى صالح تقدم هذا البلد ورفعته، فدافع عن المواطنة وحقوق المرأة وكرامة الإنسان وحقوقه، وتأسس فى عهده مرصد حديث يضم كفاءات شابة، قادر على مخاطبة العالم ومواجهة الفكر المتطرف باللغات الأجنبية فى تحول لم يعرفه الأزهر من قبل، كما واجه الرجل باعتداد حديث البعض عن مناهج للأزهر غير موجودة، أو تصريحات مختلقة لكل يهيل التراب على تجربة إصلاح حقيقية حتى لو غير كاملة إلا أنها تظل من تجارب الإصلاح القليلة التى شهدتها البلاد مؤخرا فى وقت تعانى فيه مؤسسات كثيرة من حالة سبات وسكون إلا من اللقطة والصورة.صحيح مازال الأزهر يحتاج إلى مزيد من الإصلاحات، وإلى إصلاح إدارى وليس فقط فكريا، يختلف عما عرفه على مدار عقود وربما قرون، ويحتاج بالحتم لمزيد من التجديد فى خطابه الدينى ولغة أئمته ومشايخه.سيبقى اشتباك الأزهر مع قضية التحرش بهذه الجرأة والشجاعة يعطى بارقة أمل للمجتمع بأنه قادر ليس فقط على مواجهة جريمة التحرش (مهمة دولة القانون) إنما أساسا مواجهة تبريرات مجتمعية لهذه الجريمة وقف لها صوت الأزهر بالمرصاد.