هل هى دائرة مغلقة

هل هى دائرة مغلقة

هل هى دائرة مغلقة

 صوت الإمارات -

هل هى دائرة مغلقة

بقلم : عمرو الشوبكي

أيهما أولاً: توعية الناس وتثقيفهم ومحو أميتهم، أم تغيير الظروف السياسية التى يعيشون فى ظلها؟ إذا قلتَ الأولى فإنك تظلم نفسك وتظلم الناس، لأنه مهما بذلت فى التوعية فإن تعليما متدهورا أو برنامجا هابطا قادرا على أن ينسف جهودك فى التثقيف والتوعية، قُول للصبح، فمصادر التجهيل فى كل مكان، أما إذا قلتَ الثانية، وإنك ستغير الظروف السيئة المحيطة بالناس وتواجه ظلم النظم القائمة، فبمَن ستغير؟ هل بناس لا تنتمى لك فكريا ولا سياسيا، وهم فى مساحة وعى مختلفة تماما عن كلامك عن الديمقراطية والمواطنة وحقوق الإنسان، أم ستقبل الحديث العدمى بأن تنتظر ثورة الجوعى والمُهمَّشين، التى ستقضى على الأخضر واليابس، ولن تحقق لك حلمك أيضا فى الديمقراطية ودولة القانون والعدالة؟!

والحقيقة أن حديث التغيير فى مصر تحكمه معضلة أن بعض مَن يطالبون به يحملون قيما مدنية حديثة وقدرا من التعليم والثقافة والرغبة فى بناء دولة القانون، وهؤلاء يمثلون أقلية، فى محيط غالب لا علاقة له بكثير من هذه القيم، بل إن جانبا من هذا المحيط يتحرك ضد مصالحه فى بعض الأحيان، عن وعى أحيانا وعدم وعى أغلب الأحيان، وهو سعيد بحاله، ومتصالح مع أوضاعه، ويرى وطنه فى أفضل حال، ويتقدم وينتصر على الخونة والمتآمرين فى الغرب والشرق، وهناك مَن ردَّد عن قناعة أن المستشارة الألمانية والوزير البريطانى جاءا لمصر ليتحايلا عليها حتى لا تذيع الأوراق السرية التى تُدين أجهزتهما الاستخباراتية بعد أن كشفتها فى جبل الحلال مع 600 مليار دولار؟!!

والسؤال: كيف يُقنِع جزء واعٍ من نخبة مدنية ديمقراطية أغلب الناس بخطابه، بما فيه الجانب الأكبر من النخبة التى تنتمى إليه؟ وكيف يُقنِع أيضا أغلب الناس، خاصة بعد فشل كل التجارب السلطوية والإخوانية السابقة؟ فكيف يمكن أن يؤثر فى مراكز صنع القرار ويصل إلى السلطة، فى ظل غالبية لا علاقة لها بهذه القيم، وفى ظل طبيعة غير نضالية ولا ثورية لأغلب المنتمين لهذا التيار؟

والحقيقة أن التغيير الثورى الذى جرى فى القرن الماضى لم يعد هو «موديل التغيير» فى العقود الأخيرة، فلم يعد هناك تنظيم ثورى يحمل عقيدة ثورية وأعضاؤه بالآلاف يقضون وقتهم فى الغيطان والمزارع ووسط العمال والكادحين كما فعلت كثير من الثورات الشيوعية فى الماضى، إنما نحن أمام أشكال مختلفة من الاحتجاج المريح على مواقع التواصل الاجتماعى أو فى بعض الجامعات الأجنبية أو فى بعض الجمعيات الحقوقية، وهى كلها تعيش بدرجات متفاوتة حالة انسحاب «وعزلة شعورية» (بتعبير سيد قطب فى وصفه علاقة عناصر الجماعة بالمجتمع) أو استعلاء مَرَضى على المجتمع، وأصبح التعليم الجيد والانفتاح على الغرب عامل عزلة وليس اندماجاً فى المجتمع، حتى أصبحنا نرى جزءاً من النخبة الأكثر تعلما أكثر انفصالاً عن الناس.

وقد يرى كثيرون أن أغلب هؤلاء عزلتهم خلقها واقع مُحبِط، وهو صحيح بلا أدنى شك، ولكنه لن ينفى وجود قلة سعيدة بعزلتها عن المجتمع واستفادت منها، لأنها حوَّلت شعاراتها الثورية إلى أكل عيش ومهنة، وهى قررت بوعى ألا تبذل أى مجهود إلا فى الجيتو المغلق الذى تعيش فيه.

الحصيلة النهائية أن هناك قسماً كبيراً من النخب الأكثر تعليماً فى مصر، خاصة من الشباب، لم يعد قادراً على التواصل مع المجتمع، وإذا سلَّمنا بأن القسم الأكبر منهم انعزل عن مجتمعه بسبب سياسات السلطة، بعد أن كانت لديه أحلام وطموحات كثيرة أجهضها أهل الحكم، فإن هذا لن يغير فى المعادلة الحالية كثيرا، والتى تقول إن الجانب الأكبر من المجتمع والنخبة فى ناحية، وهذه النخبة الوطنية الحداثية فى ناحية أخرى.

وبما أن نظريات الطليعة الثورية، التى قلبت النظم الحاكمة عبر تنظيمات ثورية، لم تعد موجودة، وحلت مكانها تنظيمات دينية إرهابية، أحيانا ما تسرق بعض الشعارات الثورية، وكانت وبالا على مجتمعاتها، وجعلت الناس يترحمون على النظم المستبدة، بعد أن عانوا إرهاب داعش وأخواتها، فإن الحلقة المفرغة اتضحت معالمها بأن أصبحت إرادة التغيير فى مجتمعاتنا ليست بالضرورة هى الغالبة.

والمقصود بـ«إرادة التغيير» هو مَن يحمل فعلا مشروعا وطنيا حداثيا يسعى لبناء دولة القانون والعدالة واحترام كرامة الإنسان، أما التغيير من أجل مشروع الانتقام والكراهية الإخوانى- أو من أجل الفوضى وانتظار ثورات العوز والفقر، باعتبارها ستُسقط النظام الظالم، والحديث عن أن ثورة يناير كانت ثورة راقية قضت عليها الدولة العميقة، فانتظروا إذن ثورة الجائعين- فهذه كلها مقولات كارثية لن تُخرجنا من الحلقة المفرغة، إنما ستُخرجنا من حفرة لتُسقطنا فى بئر لا نهاية لها.

نعم، يمكن كسر الحلقة المفرغة إذا آمن فى لحظة مثلث، أضلاعه التيار الإصلاحى من خارج النظام، وتيار إصلاحى داخله، مع قطاع يُعتدّ به من عموم الناس، بأن مصر ستُبنى بالعدل ودولة القانون- لا بالانتقام والكراهية والكلام الفارغ- وبالتنمية والعدالة الاجتماعية.

المصدر : صحيفة المصري اليوم

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

هل هى دائرة مغلقة هل هى دائرة مغلقة



GMT 20:35 2024 الأربعاء ,15 أيار / مايو

الدعم المطلق

GMT 21:22 2024 الثلاثاء ,14 أيار / مايو

ما بعد الاجتياح

GMT 17:42 2024 الأحد ,05 أيار / مايو

الهدنة الحائرة

GMT 16:39 2024 الأربعاء ,01 أيار / مايو

الهدنة المؤقتة

GMT 05:08 2024 الأربعاء ,17 إبريل / نيسان

الردع المتبادل

GMT 00:59 2024 الأربعاء ,04 كانون الأول / ديسمبر

نصائح قبل شراء طاولة القهوة لغرفة المعيشة
 صوت الإمارات - نصائح قبل شراء طاولة القهوة لغرفة المعيشة

GMT 00:55 2024 الأربعاء ,04 كانون الأول / ديسمبر

الكشف عن قائمة "بي بي سي" لأفضل 100 امرأة لعام 2024
 صوت الإمارات - الكشف عن قائمة "بي بي سي" لأفضل 100 امرأة لعام 2024

GMT 18:53 2020 السبت ,31 تشرين الأول / أكتوبر

حظك اليوم برج الثور السبت 31 تشرين أول / أكتوبر 2020

GMT 02:56 2018 السبت ,01 كانون الأول / ديسمبر

تعرفي على أفضل مطاعم العاصمة الأردنية "عمان"

GMT 15:37 2014 الجمعة ,10 تشرين الأول / أكتوبر

تسريحة "الريتو" تشهد إقبالًا شديدًا من النجمات العالميات

GMT 10:07 2012 الجمعة ,14 كانون الأول / ديسمبر

"خدعنى الفيس بوك" مجموعة قصصية للكاتب أشرف فرج

GMT 15:15 2014 الجمعة ,17 تشرين الأول / أكتوبر

مجموعة العيد ترجع بنا الذاكرة إلى سنوات الزمن الجميل

GMT 19:03 2020 الثلاثاء ,07 كانون الثاني / يناير

13.8 تريليون درهم تداولات «دبي للذهب والسلع» في 15 عاماً

GMT 14:48 2018 الإثنين ,24 كانون الأول / ديسمبر

كايلا موريس تستعرض جسدها بالبكيني في تينيريفي

GMT 20:45 2013 الجمعة ,14 حزيران / يونيو

"سوني" تعرض أول فيديو تجريبي للعبة "DriveClub"

GMT 03:12 2015 السبت ,17 كانون الثاني / يناير

"كول أوف ديوتي" اللعبة الأكثر مبيعًا في 2014

GMT 16:14 2017 الإثنين ,11 كانون الأول / ديسمبر

هادي الجيار يجسد شخصية تاجر سلاح من مطروح في "الأب الروحي"

GMT 16:12 2015 الخميس ,03 أيلول / سبتمبر

"الأصفر" سيد الألوان في موضة 2015
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
emirates , emirates , Emirates