بقلم - عمرو الشوبكي
جلسة مجلس الأمن، التى عُقدت مساء أمس الأول الإثنين، لمناقشة شكوى مصر ضد بناء سد النهضة الإثيوبى، نقلت التحركات المصرية، منذ توقيعها على إعلان المبادئ فى 2015، من تحركات ناعمة تقوم على التفاوض والنوايا الحسنة، إلى تحركات خشنة طرحت قضية الحقوق المصرية فى نصيب عادل من المياه أمام مجلس الأمن والرأى العام الدولى.كلمة وزير خارجية مصر كانت ممتازة ودقيقة، ليس من زاوية دفاعها عن الحقوق المصرية، وهو بديهى، إنما لنجاحها فى دحض الحجج والروايات الإثيوبية المُضلِّلة بخصوص سعى مصر للهيمنة وتبنِّى سياسات استعمارية.حديث الوزير عن الشراكة الإنسانية فى مشاكل العالم (الجائحة)، رغم تعدد الثقافات والعقائد، وتنوع الشعوب، ومطالبته العالم بأن يتجاوز المصالح الضيقة، ويعمل على إعلاء روابط التضامن لأننا أسرة إنسانية واحدة، كانت مقدمة قوية للانتقال إلى تفنيد الحجج الإثيوبية بمهارة ومهنية. وتحدث «شكرى» بعقلانية ووضوح عن حق إثيوبيا فى التنمية ومساندة مصر له، بشرط ألا يهدد حياة 100 مليون مصرى، وعرض «الرخاء» الإثيوبى والوفرة الإثيوبية فى المياه، وهو ما يعنى ضمنًا الرد على تصوير مصر بأنها دولة غنية استعمارية تسعى لاستغلال الدول الإفريقية، وقال:«نحن فى مصر نعيش فى أكثر مناطق حوض النيل جفافًا، وبلادنا الأكثر شُحًّا فى المياه على وجه الأرض، فهذا الواقع القاسى يحصرنا فيما لا يزيد على 7% من أراضينا، وعلى شريط أخضر ضيق، ودلتا خصيبة، يُقيم فيها الملايين، إذ يبلغ متوسط نصيب الفرد من المياه حوالى 560 مترًا مكعبًا سنويًا، الأمر الذى يضع مصر على قائمة الدول التى تعانى الشُّحَّ المائى، وفقًا للمعايير الدولية.ومن ناحية أخرى، فقد حبا الله إخواننا فى إثيوبيا بموارد مائية وفيرة، تتضمن متوسط أمطار يصل إلى 936 مليار متر مكعب سنويًا من المياه، بالإضافة إلى أحواض 11 نهرًا آخر، بعضها تتشارك فيها مع دول مجاورة، وهى الموارد التى توفر فرصًا لا حصر لها للتعاون والتكامل الإقليمى».وأكد، فى النهاية، أن أى إجراءات أحادية إثيوبية من شأنها أن تضر بالسلم الدولى، فى إشارة إلى المجتمع الدولى، بضرورة أن يتخذ إجراءات حاسمة تجاه سياسات أديس أبابا، وإلا فسيدفع الجميع الثمن.من المؤكد أن خطوة مجلس الأمن هى بداية الطريق الصحيح لممارسة الضغوط المؤثرة على إثيوبيا لكى توقف عملية ملء السد بشكل أحادى، هذا الشهر، مع ملاحظة أن إثيوبيا لديها أوراق، منها تعاطف الرأى العام الإفريقى ومعظم دول حوض النيل، وأن السد بُنى وأصبح واقعًا، فى حين أن مصر تحتاج المزيد من التحرك السياسى فى الدول الإفريقية والعواصم الكبرى للتأثير فى النخب المؤثرة، والتركيز على استحالة أن تعيش «هبة النيل» دون أن تحصل على حصتها التاريخية فى المياه، فهى معركة وجود، كما سبق أن قلنا، وليست معركة حدود.