الخبرة التركية

الخبرة التركية

الخبرة التركية

 صوت الإمارات -

الخبرة التركية

بقلم:عمرو الشوبكي

ربما أهم ما قدمته الخبرة السياسية التركية منذ تأسيس جمهوريتها، على يد مصطفى كمال أتاتورك فى أكتوبر 1923، تمثل فى تحولها وتغير قواعدها دون حدوث قطيعة مع جوهر مبادئها العلمانية والمدنية.

فلم تنتقل تركيا من نظام علمانى إلى دينى، ولم تعرف نظاما رأسماليا تحول نحو الاشتراكية، إنما بقيت تحمل صورا مختلفة من النظام العلمانى والرأسمالى ومن العلاقة مع الغرب.

والحقيقة أن الجمهورية التركية التى أسسها مصطفى كمال أتاتورك فرضت منظومة قيم جديدة على المجتمع «من أعلى»، وأطلق برنامجًا صارمًا للإصلاحات السياسية والاقتصادية والثقافية بهدف بناء دولة قومية حديثة وعلمانية، فألغى الخلافة العثمانية، وسيطرت الدولة على كل المدارس وألغت التعليم الدينى وتطبيق الشريعة، وحظرت تعدد الزوجات، كما منعت النساء من ارتداء الحجاب وجعلت الأذان باللغة التركية، ولكن فى نفس الوقت أعطت الجمهورية الناشئة المرأة حقوقًا متساوية بما فى ذلك الحق فى التصويت وشغل المناصب الحكومية، كما نفذ سياسة التتريك ضد الأقليات العرقية، وقام بتغيير أسماء المدن والأماكن إلى اللغة التركية مثل القسطنطينية التى أصبحت إسطنبول وغيرها.

والمؤكد أن بدايات التجربة العلمانية التركية كانت إقصائية وفرضت نموذجا حداثيا علمانيا يستبعد الدين من المجال العام وليس فقط المجال السياسى، ولكنها فى نفس الوقت فصلت الدين عن السياسة وهى قيمة ظلت باقية حتى الآن رغم تغير نظمها الحاكمة.

أما التيارات المحافظة والدينية فقد انتقلت من تجاربها الأولى التى كانت تقوم أساسا على العداء للجمهورية العلمانية، وخاصة تجربة حزب النظام الوطنى الذى كان طوال الستينيات فى عداء مستحكم وعنيف مع النظام العلمانى- إلى التطبيع مع جوهر مبادئ العلمانية، واعتبر أردوجان وحزب العدالة والتنمية نفسه حزبا محافظا ديمقراطيا وليس إسلاميا أو دينيا، وأسس لنظام أقرب لعلمانيات كثيرة متصالحة مع القيم والمبادئ الدينية، ودعم عودة المظاهر الدينية فى المجال العام وليس المجال السياسى كأيديولوجية دينية، كما لم تعد مسوغات وجود الأحزاب المحافظة هى العداء للجمهورية العلمانية إنما أصبحت صور ومبادئ أتاتورك حاضرة فى كل مؤسسات الدولة السياسية والإدارية والقضائية ويقبلها الجميع.

أما حزب الشعب الجمهورى «حارس العلمانية» الذى حرض الجيش ضد رفيقهم السابق «عدنان مندريس» فى خمسينيات القرن الماضى، عاد ورفض محاولة الجيش فى الانقلاب على أردوجان فى 2016 ولم يستدعه للتدخل فى المسار السياسى حتى لو طالب بضرورة احترامه. نجحت التجربة التركية فى حل الجانب الأكبر من تناقضاتها الداخلية بين العلمانيين والمتدينين بطريقة سلمية مدنية، وحولت من كانوا إسلاميين معادين للجمهورية التركية إلى محافظين متدينين يؤمنون بالعلمانية المتصالحة مع الدين، كما حولت أغلب العلمانيين المتشددين الذين يرفضون أى مظهر دينى فى المجال العام إلى «علمانيين طبيعيين» يرفضون تسييس الدين والأيديولوجيات الدينية ولكن يقبلون بحضوره فى المجال العام والثقافى

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الخبرة التركية الخبرة التركية



GMT 21:31 2024 الأربعاء ,23 تشرين الأول / أكتوبر

كهرباء «إيلون ماسك»؟!

GMT 22:12 2024 الثلاثاء ,22 تشرين الأول / أكتوبر

لبنان على مفترق: السلام أو الحرب البديلة

GMT 00:51 2024 الأربعاء ,16 تشرين الأول / أكتوبر

مسألة مصطلحات

GMT 19:44 2024 السبت ,12 تشرين الأول / أكتوبر

هؤلاء الشيعة شركاء العدو الصهيوني في اذلال الشيعة!!

GMT 01:39 2024 الجمعة ,11 تشرين الأول / أكتوبر

شعوب الساحات

GMT 21:45 2019 الأحد ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

أترك قلبك وعينك مفتوحين على الاحتمالات

GMT 20:00 2016 الثلاثاء ,23 شباط / فبراير

مطعم "هاشيكيو" الياباني يغرم كل من لا يُنهي طعامه

GMT 13:11 2019 السبت ,14 أيلول / سبتمبر

"جيلي الصينية" تكشف مواصفات سيارة كروس "جي إس"

GMT 05:09 2015 الخميس ,05 آذار/ مارس

انطلاق فعاليات معرض الرياض الدولي للكتاب

GMT 05:58 2015 الثلاثاء ,10 شباط / فبراير

سلسلة "جو وجاك" الكارتونية تطل عبر شاشة "براعم"

GMT 22:28 2017 الأربعاء ,25 كانون الثاني / يناير

جورجينا رزق تبهر الأنظار في أحدث إطلالاتها النادرة

GMT 21:17 2017 الثلاثاء ,18 إبريل / نيسان

حارس نادي الشعب السابق ينتظر عملية زراعة كُلى

GMT 22:33 2013 الأحد ,28 إبريل / نيسان

"إيوان" في ضيافة إذاعة "ستار إف إم"

GMT 13:10 2013 الجمعة ,08 شباط / فبراير

الحرمان يطال 2.3 مليون طفل في بريطانيا

GMT 07:27 2020 الجمعة ,10 تموز / يوليو

"إم بي سي" تبدأ عرض"مأمون وشركاه" لعادل إمام
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
emirates , emirates , Emirates